الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

جبران خليل جبران.. حكايات وأسرار من حياة صاحب كتاب "النبي"

جبران خليل جبران
جبران خليل جبران

يعتبر جبران خيل جبران ، أول أديب شق طريق البساطة في التعبير عما يختلج في النفس، وأول أديب عربي آمن بأن الأدب هو رسالة سامية تؤديها الألفاظ المكتوبة، وأن رسالته أن تفتح عيون الناس على الجمال والحق، ويقودهم إلى ينابيع الحب والحرية.

وقد حمل رسالته هذه بإخلاص، ونشرها بين أبناء قومه أولاً، ثم بين سائر أبناء الحياة ثانياً، لأن رسالة الحياة لا تقتصر على أناس دون آخرين، وإنما تتخطى حدود الزمان والمكان والدين والجنس واللغة والإقليم والتقاليد والشرائع، لتلقي في كل النفوس بذور الخير والسعادة والحق.

ولد جبران الذي تحل اليوم ذكرى رحيله، لأسرة صغيرة فقيرة في بلدة بشري في 6 يناير 1883، كان والده خليل جبران الزوج الثالث لوالدته كاملة رحمة التي كان لها ابن اسمه بطرس من زواج سابق ثم أنجبت جبران وشقيقتيه مريانا وسلطانة.


طفولة جبران خليل جبران 


انجذب جبران خليل جبران، في طفولته إلى الطبيعة الخلابة التي كانت تتميز بها المنطقة، وظل جمالها منطبعا في نفسه وحبها لا يفارقه، ففي إحدى رسائله إلى ابن عمه نخلة يقول: "هل يأتي ربيع حياتنا ثانية فنفرح مع الأشجار ونبتسم مع الزهور ونركض وراء السواقي ونترنم مع العصافير مثلما كنا نفعل في بشرّي؟ هل نرجع ونجلس بقرب ماري سركيس، وعلى نهر النبات وبين صخور ماري جرجس؟ أجمل ما في هذه الحياة يا نخلة هو أن أرواحنا تبقى مرفرفة فوق الأماكن التي تمتعنا فيها بشيء من اللذة".

واستطاع جبران، أن يكون النفحة الأولى في حياة الأدب العربي الحديث، وأن يجعل للأدب العربي جذوراً قوية باقية في حقل الآداب العالمية الخالدة، ولم يكن جمال الأسلوب لم يكن وحده ما ميّز كتاباته، فالفلسفة والحكمة، سمتان أساسيتان في الإرث العظيم الذي خلفه، والذي حمل بين ثناياه فكراً وطنياً وقومياً لم يفارق عقل الرجل، إذ بقي ملتصقاً بقضايا أمته وهمومها، رغم آلاف الأميال التي كانت تفصله عن وطنه.


مؤلفات جبران خليل جبران 

في نيويورك عام 1912م، استقر جبران خليل جبران، بعد أن لمع نجمه في عالمي الأدب والرسم، فتوالت ابداعاته ليصدر (الأجنحة المتكسرة) (دمعة وابتسامة) (العواصف) (البدائع والطرائف)، ومجموعة شعرية تضمنت أنشودة (المواكب) الخالدة، كما أصدر باللغة الإنجليزية (المجنون) (السابق) (يسوع ابن الإنسان) (رمل وزبد) (وآلهة الأرض)، إضافة إلى كتاب (النبي) الذي يعد أعظم ما أنتج جبران، وبسبب عطاءاته في الأدب والرسم أصبح جبران قبلة أدباء المهجر، الذين التفوا حوله وأسسوا (الرابطة القلمية) عام 1920، فكان جبران عميدها وسمّي أعضاؤها عمالاً وهم: ميخائيل نعيمة، وليم كاتسفليس، ندره حداد، إيليّا أبو ماضي، وديع باحوط، رشيد أيوب، إلياس عطالله، عبدالمسيح حداد، نيب عريضة، وفي السنة ذاتها بدأت صحته بالتدهور إلى أن توفي سنة 1931، لينقل رفاته بعد عدة أشهر إلى مسقط رأسه بشرّي، إذ كانت أمنيته أن يدفن في لبنان.

بعد وفاته صدر لجبران كتابان هما: (حديقة النبي) الذي يتحدث عن علاقة الإنسان بالطبيعة، و (التائه) الذي انتقد فيه العادات الشرقية وتقاليدها البالية؛ فالتمرد على العادات والتقاليد كانت صفة ملازمة لجبران، وهو ما ظهر بشكل أوضح في قصص (الأرواح المتمردة) التي انتقد فيها أيضاً رجال الدين، الذين لم يكن فسادهم وحدهم ما يزعج جبران، وإنما فساد رجال السياسة أيضاً، إذ وجه إليهم نقداً قاسياً في مقالة (لكم لبنانكم ولي لبناني) متهماً إياهم بالفساد وتحويل لبنان إلى ساحة صراعات طائفيّة ومذهبيّة وحزبية.

مي زيادة وجبران خليل جبران علاقة حب عبر المراسلة

اكتشفت مي زيادة جبران خليل عام 1912، عبر مقالته يوم مولدي التي ظهرت في الصحافة، وأسرها أسلوبه، وقرأت الأجنحة المتكسرة وخالفته في رأيه للمرأة في هذه الرواية، تراسلا، وتبادلا في رسائلهما الإطراء وتحدثا عن الأدب، روى لها همومه اليومية، وطفولته وأحلامه وأعماله، وانعقدت بينهما علاقة ألفة وحب، وطلب منها عام 1913 تمثيله وقراءة كلمته في حفل تكريم شاعر القطرين "خليل مطران".

كانت "مي" حساسة جداً وحالمة، ولما انقطعت رسائل جبران عقب قيام الحرب العالمية الأولى، تعلقت بذكرى مراسلها البعيد ورفضت كل الطامحين إلى الزواج منها، وتمنت في مقالة لها أن تكون بقرب ذلك الوجه الذي يمنع البعاد رؤيته.

لم يلتقيا قط، غير أن الكاتبين شعرا أنهما قريبان أحدهما من الآخر، وأحس أن "خيوطاً خفيفة" تربط بين فكرهما وأن روح مي ترافقه أينما اتجه.

في عام 1921، أرسلت له صورتها، فأعاد رسمها بالفحم، واكتشف بسعادة أنها امرأة مليئة الوجه، ذات شعر بني قصير، وعينين لوزيتي الشكل يعلوهما حاجبان كثان، وشفتين ممتلئتين، وجد في نظرتها البراقة شيئاً معبراً يجتذبه.

في عام 1923، كتب لها يقول دون كلفة: "أنت تعيشين فيّ وأنا أعيش فيك، تعرفين ذلك وأعرفه"، كانت مي، كلما بدت عبارات مراسلها أكثر جرأة أو شابها بعض سخرية من تعبير اختارته دون قصد منها، تلجأ إلى مقاطعته وتلوذ بصمت يستمر أشهراً أحياناً. 

مشاعرها الحقيقية كانت تبوح بها في مقالاتها، وإن كانت قد خصت أعماله بمقالات نقدية مدحية، فقد نهرته في أخرى، وفي مقالة بعنوان "أنت الغريب"، عبرت عن كل هواها نحو ذاك الذي لا يعرف أنها تحبه، والذي تبحث عن صوته بين كل الأصوات التي تسمعها.

وفي رسالة له عام 1924، عبرت له مي عن خوفها من الحب، ورد عليها جبران: "هل تخافين ضوء الشمس؟ هل تخشين مد البحر وجزره؟"، أدركت "مي" حينذاك، بمرارة، سوء التفاهم بين رغبتها وفكرة جبران عن علاقتهما، وأسفت أنها كانت على هذا القدر من الصراحة والمباشرة، وصمتت ثمانية أشهر، رآها جبران "طويلة كأنها أزل".