بالصور..المعمار الشاهد على الهندسة الإسلامية: قصر الجعفرية.. شمس الإسلام في الأندلس

الجعفرية.. قصر محصن بني في النصف الثاني من القرن الحادي عشر للميلاد القرن الخامس الهجري في عهد المقتدر أمير سرقسطة.
القصر كان مكان إقامة أمراء بني هود، ويعكس إشعاع الإمارة في أوجها السياسي والثقافي، وتكمن أهمية القصر في كونه المعمار الوحيد بهذا الحجم الذي يشهد على الهندسة الإسلامية الأندلسية في عهد الطوائف.
وبذالك فإنه ليس بأقل أهمية من بهجة العصور جامع قرطبة ولا عليل النفوس قصر الحمراء بغرناطة، فقصر الجعفرية يثري معارفنا بالفن الطائفي في فترة نهاية استقلال أمراء الطوائف وصعود حكم المرابطين، مشكلاً مع المعلمين السابق ذكرهما ثلاثية الفن المعماري في الأندلس، وهو اليوم الأثر الإسلامي الذي ينال الاهتمام الأكبر في سراقوسا، وهي تقع وسط بقعة مستطيلة من الأرض يحيط بها أربعة وعشرون برج مراقبة، تعمل كمراكز للإنذار المبكر في حالة الهجوم، مركز الجذب السياحي هذا يفتح أبوابه يوميًا من الساعة العاشرة صباحًا إلى الساعة السادسة والنصف مساءً، لكن المنطقة ليست مفتوحة بالكامل أمام الزوار، بعض الحكومات الصغيرة في جنوب الأندلس طلبت من المسلمين في شمال أفريقيا مساندتها في وجه الزحف المسيحي الذي كان يستهدف الأندلس، وتحرك نحوها دعم إسلامي كبير من شمال أفريقيا، ودخل إليها قادة مسلمون جدد قاموا بتسوية الفوضى وأمسكوا بزمام الحكم فيها بشكل متقن.
قصر الجعفرية هو أبرز معالم سرقسطة في الأمس واليوم، ويعد أحد أكبر مفاخرها، بحيث لا يمر سائح في المدينة دون أن يراه، لقد بناه حاكمها الملك أبوجعفر أحمد المقتدر في القرن الحادي عشر أيام حكمه بين عامي 1046 و1082، وكان هو أول من تغزل بقصره شعراً واصفاً إياه بأنه قمة ما تمنى، وأنه على الرغم من اتساع حكمه ومآثره في أقليم أراغون، إلا أن هذا القصر وحده يكفيه كمفخرة له عن كل مآثره الأخرى.
بناه خارج المدينة حيث يمتد النظر من شرفاته على حدائق وبساتين خضراء حتى النهر، وحصنه بقلاع عالية وخندق عريض، مازجاً في فنه المعماري ملامح من دمشق وبغداد والمغرب، فيما يغلب عليه التأثر بالفن المعماري في قرطبة، وجعل فيه محراباً رائعاً للصلاة، وقاعات للتدارس، وصالات للترف والاحتفالات، منها صالة الذهب وفي وسطه بئر تصل مياهها عبر قناة من النهر وبمستواه، وترتفع بارتفاعه وتنخفض بانخفاضه، مما يجعل الماء وفيراً في القصر ونافوراته، ولم ينس البركة المعروفة في قصور الشرق كرمز للرفاهية والخير والسلام، نوافذه وهندسته درست بعناية مراعية مساقط الضوء وانعكاساته على ألوان المبنى التي من أبرزها الأحمر والأزرق والزهري والأبيض.. بل إن معماره قد أثر في كل المعالم الأندلسية التي بنيت بعده بما في ذلك جوانب من قصر الحمراء في غرناطة. وقد أطلق عليه آنذاك (قصر السرور) دلالة على الرخاء والرفاهية وباعتباره قصرًا صيفيًا لإقامة الملك ومركزاً ثقافياً وفنياً في عصره، ثم تحول اسمه مع مرور الزمن إلى (الجعفرية) نسبة إلى جعفر بن المقتدر، حيث درج الإسبان على هذه التسمية حتى اليوم.
ولشدة إعجاب ملوك أراغون بهذا القصر الذي استولوا عليه بعد سقوط سرقسطة، وبشكل خاص بيدرو دي أراغون الذي أحب أن تكون إقامته في هذا القصر، أقاموا عليه التحويرات، وبنوا قاعة احتفالاتهم فوق قاعة احتفالات المسلمين كدلالة على الانتصار والتفوق، وكما حدث في غرناطة وقرطبة وغيرهما راحوا يلصقون رموز وشعارات مملكاتهم والصلبان على السقوف وأعالي الجدران، إضافة إلى تطريزات قوطية ورومانية وكنائسية، وتحويل المحراب إلى مطبخ.
ومما يدعو للتأمل مفارقة أن يخطوا أسماء زوجاتهم وتواريخ زواجهم وشعارات دعاية سياسية لحكمهم وسيوفًا ودروعًا ورماحًا وصوراً لهم ولانتصاراتهم، وعبارات تشير إلى قوتهم وملكيتهم الأبدية التي لا تزول، وتحويل الغرف الجانبية إلى زنزانات للتعذيب، فبينما يذكر الحاكم المسلم نفسه بالتواضع والفناء وأن هذا «الملك لله» يفعل الآخر العكس.. هذا ثم تحول القصر بحكم تحصيناته العسكرية إلى مقر للجيوش ولمحاكم التفتيش، وسجن لمعارضي الحكومات المتلاحقة على امتداد ثلاثة قرون، حيث ما زالت آثار السجناء باقية من عبارات عذاب وذكريات وحساب للأيام وأسماء حبيباتهم وخربشات خطوها بأظافرهم، ثم أهمل القصر وظل في تصور الناس على أنه مجرد قلعة عسكرية قديمة، إلى أن صدر القرار بإعادة ترميمه وصيانته في أواسط الثمانينيات، حيث تم العمل فيه بجدية وأمانة استطاعتا أن تجعلا منه الآن معلماً مثيراً للدهشة والتأمل، وهو يجمع في تكوينه الحالي آثار مراحل وقرون عديدة، منها الإسلامي الأندلسي ثم الملوكي الأراغوني والعصر الوسيط، وأضيف إليه ركن حديث تابع لبلدية أراغون، فأصبح رمزاً وسجلاً لتلاحق وتوارث العصور وأرشيفاً لحضارات متعاقبة.. حتى حاز أخيراً جائزة أوروبية.