الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لا كهربا ولا مياه.. السدود الإثيوبية تهدد أفريقيا بطوفان ضخم| كشف حساب

أرشيفية - السدود
أرشيفية - السدود الإثيوبية

يعتقد البعض أن أزمة سد النهضة والخوف من انهياره بسبب كمية المياه المخزنة خلف جسم السد أو بسبب الطبيعة الجغرافية للأرض التي بني عليها هي الإشكالية الوحيدة التي تواجه بلد المنشأ، لكن ما لا يعرفه كثيرون أن إثيوبيا، لديها سجل حافل مملوء بالارتباك والتصرفات الأحادية، فيما يتعلق ببناء السدود على الأنهار الدولية.

ولا يقتصر ذلك على حوض النيل، حيث تبني إثيوبيا سدودا على أنهار أخرى لا تتصل بالنيل، دون التنسيق مع دول المصب لهذه الأنهار، ما يسبب ضررا فعليا ضد شعوب القارة الإفريقية، مخترقة المعاهدات وقواعد القانون الدولي الحاكمة في الأنهار العابرة للحدود، ومهددة بالإخلال بالتوازن البيئي، غير ذلك فإن معظم هذه السدود فشلت بالفعل في توليد الكهرباء.

فشل 70% من السدود الإثيوبية

الدراسات الإثيوبية نفسها، تؤكد أن هناك عشرات السدود والمشروعات المائية التي انهارت، وهي سدود صغيرة على الأنهار الإثيوبية، وبلغت نسبة الفشل في هذه السدود حوالي 70% من إجمالي السدود الإثيوبية موزعة كالتالي:

  • 25% من السدود الإثيوبية انهارت لأسباب فنية وجيولوجية.
  • 25% اختفت منها المياه ما يعني وجود تشققات أدت لتسرب المياه.
  • 30% من السدود ملئت بالطمي.

وتشير الإحصائيات إلى أنه خلال الـ15 عاما الأخيرة، أنشأت إثيوبيا 70 سدا صغيرا على أنهار شمال البلاد، انهار وتهدم منها 45 سدا، ما يدل على خطورة إنشاء السدود الضخمة على الأنهار في إثيوبيا، بسبب شدة انحدار الهضبة الإثيوبية خاصة في حوض النيل الأزرق، وهو أكبر أنهار إثيوبيا وأشدها قوة.

وتمتلك إثيوبيا 12 نهرا، تتساقط عليها أمطار تقدر بـ 950 مليار متر مكعب من المياه سنويا، وهي كمية ضخمة جدا، ومن بين الـ 12 نهرا، يتبع 3 منها حوض النيل، أهمها النيل الأزرق، أما عن أكبر الأنهار الإثيوبية فهو نهر أومو، والذي يصب مياهه في بحيرة توركانا في كينيا، ويعد المصدر الرئيسي لتغذية البحيرة بحوالي 90% من المياه بها، ولكن عمدت إثيوبيا إلى إنشاء سدود "جيبا 1" وهو سد صغير على نهر أومو، وإنشاء مشروع "جيبا 2" نفق بطول 26 مترا على نفس النهر، فيما انهار النفق بعد 10 أيام من  افتتاحه في يناير 2010، غير أنه انهار مرتين خلال عملية البناء.

أما المشروع الثالث على نهر أومو، هو جيبا 3، وهو أكبر سد إثيوبي قبل إنشاء سد النهضة، وتم افتتاحه عام 2015، ويولد 1800 ميجا وات، ويخزن 12 ونص مليار متر مكعب من المياه، وتسبب هذا النهر في غرق محميات طبيعية وله أثار مدمرة على البيئة، وحجب المياه عن بحيرة توركانا في كينيا، لأن إثيوبيا بنت السد بطريقة منفردة دون التنسيق مع كينيا ما سبب معاناة للشعب الكيني.

ولم توقع إثيوبيا، الضرر على كينيا فقط، فقد تسببت في ضرر على الصومال أيضا، بعد بناء سد جينالي داو، على النهر المتجه نحو الصومال، ما يرسخ السياسة العدوانية التي تتبعها أديس أبابا مع جيرانها، حيث تقيم السدود وتحجز المياه دون الرجوع إلى الدول الشريكة على الأنهار، وهو ما يعد اختراقا لنصوص القانون الدولي، وتعديا على حقوق الشعوب التاريخية في المياه.

ومن ضمن المشروعات الإثيوبية الخطيرة أيضا هو سد تاكيزي المقام على نهر عطبرة، والذي افتتح عام 2009 وانهار جزء منه عام 2007 أثناء مراحل إنشائه، ثم انهار عام 2009 قبل أيام من الافتتاح وراح ضحيته حوالي 50 شخصا.

إثيوبيا تخترق 12 اتفاقا دوليا 

هذا التاريخ الحافل المملوء بالارتباك والفشل في إدارة وتشغيل السدود، يستوجب على المجتمع الدولي أن يتدخل لإيجاد حلول تجاه السياسة الإثيوبية، التي تريد أن تبني وتوقع الضرر، دون أن تتعرض للمسائلة، خاصة وأن هناك العديد من الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تنظم إدارة الأنهار الدولية، ومنها نذكر ما يلي:

  • في 15 أبريل عام 1891 حيث تم توقيع بروتوكول روما الموقع بين كل من بريطانيا وإيطاليا وأقر هذا البروتوكول في مادته الثالثة بعدم إقامة آية منشآت لأغراض الري على نهر عطبرة يمكن أن تؤثر على موارد النيل.
  • الاتفاقية الثانية تم توقيعها في إثيوبيا وبكامل إرادة منها، ورغم ذلك لم تعترف بها حتى هذه اللحظة، وتسمي باتفاقية أديس أبابا الموقعة فى 15 مايو 1902 بين بريطانيا و إثيوبيا، تعهد فيها الإمبراطور منيليك الثاني ملك إثيوبيا بعدم إقامة أو السماح بإقامة أي منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل إلا بموافقة الحكومة البريطانية والحكومة السودانية مقدمًا.
  • الاتفاقية الثالثة هي اتفاقية لندن التي تم توقيعها في 13 ديسمبر 1906 بين كل من بريطانيا و فرنسا و إيطاليا، ونصت في بندها الرابع على أن تعمل هذه الدول معًا على تأمين دخول مياه النيل الأزرق و روافده إلى مصر.
  • الاتفاقية الرابعة هي اتفاقية لندن الموقعة في مايو 1906 بين كل من بريطانيا والكونغو – وهى تعديل لاتفاقية كان قد سبق ووقعت بين ذات الطرفين فى 12 مايو 1894 – وينص بندها الثالث على أن تتعهد حكومة الكونغو بألا تقيم أو تسمح بقيام أى اشغالات على نهر السمليكى أو نهر أسانجو أو بجوارهما يكون من شأنها خفض حجم المياه التى تتدفق فى بحيرة ألبرت ما لم يتم الاتفاق مع حكومة السودان.
  • الاتفاقية الخامسة هى اتفاقية روما وهى عبارة عن مجموعة خطابات متبادلة بين بريطانيا وإيطاليا فى عام  1925، حيث تعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدهما ، وتتعهد بعدم إجراء أى اشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسي.
  • أما الاتفاقية السادسة هى اتفاقية 1929 وهى عبارة عن خطابين متبادلين بين كل من رئيس الوزراء المصرى آنذاك محمد محمود وبين المندوب السامى البريطانى لويد ، وكلا الخطابين موقعين بتاريخ 7 مايو 1929 ومرفق بهما تقرير للجنة المياه الذى سبق إعداده فى عام 1925، ويعد هذا التقرير جزءًا من هذه الاتفاقية ،وكان توقيع بريطانيا على هذه الاتفاقية نيابة عن كل من السودان وأوغندا وتنجانيقا {تنزانيا حاليًا} وجميعها دول كانت تحتلها بريطانيا آنذاك.

ونصت الاتفاقية على الآتي:

  1. ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد قوى أو أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق ضررًا بمصالح مصر.
  2. وتنص الاتفاقية أيضًا على حق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل.
  • الاتفاقية السابعة هي عبارة عن اتفاقية 1929 والتي تنظم العلاقة المائية بين مصر ودول الهضبة الاستوائية،  تضمنت هذه الاتفاقية بنودًا تخص العلاقة المائية بين مصر والسودان في الخطاب المرسل من رئيس الوزراء المصرى والمندوب السامي البريطاني،

وتنص على:

  • إن الحكومة المصرية شديدة الاهتمام بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التي يستخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية في تلك المياه.
  • توافق الحكومة المصرية على ما جاء بتقرير لجنة مياه النيل عام 1925 وتعتبره جزءًا لا ينفصل من هذا الاتفاق .
  • ألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال ري أو توليد قوى أو أي إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات، التي تنبع سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق ضررًا بمصالح مصر .
  • تقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل في السودان ويمكنها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر بالاتفاق مع السلطات المحلية.
  • أما الاتفاقية الثامنة هي اتفاقية لندن الموقعة في 23 نوفمبر 1934 بين كل من بريطانيا نيابة عن تنجانيقا{تنزانيا حاليًا}وبين بلجيكا نيابة عن رواندا وأوروندى {رواندا وبوروندى حاليًا} وتتعلق باستخدام كلا الدولتين لنهر كاجيرا.
  • وتتضمن الاتفاقية التاسعة اتفاقية 1953 الموقعة بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا بخصوص إنشاء خزان أوين عند مخرج بحيرة فيكتوريا ، وهى عبارة عن مجموعة من الخطابات المتبادلة خلال عامي 1949 و1953 بين الحكومتين المصرية والبريطانية ،ومن أهم نقاط تلك الاتفاقية:

أشارت الاتفاقيات المتبادلة إلى اتفاقية 1929 وتعهدت بالالتزام بها ونصت على أن الاتفاق على بناء خزان أوين سيتم وفقًا لروح اتفاقية 1929.

- تعهدت بريطانيا في تلك الاتفاقية نيابة عن أوغندا بأن إنشاء وتشغيل محطة توليد الكهرباء لن يكون من شأنها خفض كمية المياه التي تصل إلى مصر أو تعديل تاريخ وصولها إليها أو تخفيض منسوبها بما يسبب أى إضرار بمصلحة مصر.

وفيما يتعلق بالاتفاقية العاشرة هي اتفاقية 1959، حيث وقعت هذه الاتفاقية بالقاهرة في نوفمبر 1959 بين مصر والسودان، وجاءت مكملة اتفاقية عام 1929 وليست لاغية لها وتتضمن:

  • احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنويًا وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليار متر مكعب سنويًا.
  • موافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالي وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال تلزم السودان لاستغلال حصته.
  • إنشاء هيئة فنية دائمة مشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان.

والاتفاقية الحادية عشر تتضمن اتفاقية 1991 بين كل من مصر وأوغندا التي وقعها الرئيس السابق  والرئيس الأوغندي موسيفيني، حيث أكدت أوغندا في تلك الاتفاقية احترامها لما ورد في اتفاقية 1953 التي وقعتها بريطانيا نيابة عنها وهو ما يعد اعترافًا ضمنيًا باتفاقية 1929.

كما نصت الاتفاقية على أن السياسة التنظيمية المائية لبحيرة فيكتوريا يجب أن تناقش وتراجع بين كل من مصر وأوغندا داخل الحدود الآمنة بما لا يؤثر على احتياجات مصر المائية.

وكانت الاتفاقية الثانية عشر في يوليو 1993، والتي جاءت فى إطار التعاون الذى تم توقيعه فى القاهرة فى الأول من يوليو 1993 بين كل من الرئيس المصرى آنداك محمد حسني مبارك ورئيس الوزراء الإثيوبي ــ في هذا التوقيت ــ ميليس زيناوي، وتضمن هذا الإطار التعاوني بين مصر وإثيوبيا فيما يتعلق بمياه النيل في النقاط التالية:

  • عدم قيام أي من الدولتين بعمل أي نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضررًا بمصالح الدولة الأخرى.
  • ضرورة الحفاظ على مياه النيل وحمايتها.
  • احترام القوانين الدولية.
  • التشاور والتعاون بين الدولتين بغرض إقامة مشروعات تزيد من حجم تدفق المياه وتقليل الفواقد.

ولكن التاريخ لم يتوقف عند ذلك الحد، فمنذ إعلان أثيوبيا عن إنشاء السد في عام 2001، عملت جاهدة على عدم الاعتراف بحقوق مصر والسودان المائية كما أنها وقعت اتفاقية مع دول حوض النيل الستة دون العودة إلى دولتي المصب مصر والسودان.

ووقع الرئيس السيسي ونظيره السوداني، عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ديسالين في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة" في العام 2015، وفي ديسمبر من نفس العام  وقع وزراء خارجية الدول الثلاث مصر وأثيوبيا والسودان على وثيقة الخرطوم، والتي تمثل إعلان المبادئ، حيث تضمنت الوثيقة 19 بندا أساسيا.