الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سلامة عمر يكتب: المخبب شيطان

صدى البلد

التخبيب هو إفساد المرأة على زوجها أو إفساد الرجل على زوجته، هذه المسألة كثيرة اليوم، فهناك من يخبب ويفسد صفو العلاقة الزوجية التي تعد أساس سعادة الأسرة بأكملها، وهو من فعل السحرة ومن أعظم أفعال الشياطين، كما في صحيح مسلم: “إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نعم أنت فيلتزمه”، وقال صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من خبب امرأة على زوجها”. أخرجه أحمد وابن حبان.

والمخبب يتظاهر بالشفقة على من يريد تخبيبه وهو باب يتسلل منه إلى قلب من يريده، فهذا الشيطان يلبس ثوب الناصح المتعاطف مع الضحية وهكذا ينجح في هدم العلاقة بين الزوجين، وعندما تنتهي العلاقة بالطلاق يختفي تمامًا من المشهد؛ فهو لا يفكر في الزواج من تلك المرأة، فيقول في نفسه: “كيف أتزوج بامرأة خانت زوجها؟ بل خانت أولادها، فكما تكلمت معي وخانتهم فستخونني في المستقبل”.

والتخبيب الحديث في هذا العصر يكون عن طريق برامج التواصل الاجتماعي بأن يقوم ذلك الشيطان باستدراج المرأة من خلال رسائل يتكلم فيها بمعسول الكلام خطوة خطوة حتى تتعلق المرأة بهذا الشيطان فتثق في كلامه، والحقيقة أن ذلك الشيطان مثله مثل أي رجل فحينما يتزوج لا يُحَدث زوجته بهذا الكلام بل تشغله الحياة كغيره؛ ولكن زين له شيطانه الحرام "وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ" (سورة النمل:24).

وعجيب أمر المرأة التي تقبل بهذا، يرزقها الله سبحانه بيتًا وأولادًا؛ ثم لا تقنع بعد ذلك إلا بإفساد بيتها وهدم سعادتها، فليت شعري؛ عن أي سعادة تبحث؟، وفي أي سبل الأهواء تسير؟! فيا عجبا كل العجب، من الشيطان حين يزين للمرأة ما حرم الله عليها، ويصدها عما أحله الله لها بكل سبيل!

وتخبيب المرأة على زوجها بإفسادها عليه بإغرائها بطلب الطلاق أو العكس، هو عمل عظيم الإثم، فقد ورد عن أبي هريرة رضى الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ" رواه أحمد 2/ 397، والبزار (7827)، والنسائي في "الكبرى" (9214)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (324).

فكم من العلاقات الزوجية انهار كيانها وقوامها وأصبحت تمثالا يمثل به أمام الناس، وكم من العلاقات الزوجية التي انتهى بها المطاف بالطلاق، وكم من الأزواج من نشبت في قلوبهم مشاعر الكره والبغضاء والعداوة، وكم من عانى من مشاكل الخيانة والغدر، وكل ذلك بسبب إفساد أولئك المخببين على الأزواج.

وقال ابن القيم - رحمه الله -: "وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك، وتبرأ منه، وهو من أكبر الكبائر، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه وأن يستام على سومه: فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته حتى يتصل بها، وعشاق الصور ومساعدوهم من الديثة لا يرون ذلك ذنبًا؛ فإن في طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد في ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يربُ عليها، ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق، له المطالبة به يوم القيامة، فإنَّ ظُلْمَ الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظمُ مِن ظلمه بأخذ ماله كله، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله، ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه، فيا له من ظلم أعظم إثمًا من فعل الفاحشة، فإن كان ذلك حقّاً لغازٍ في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة، وقيل له: خذ من حسناته ما شئت، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال : فما ظنكم؟! أي: فما تظنون تبقى له من حسناته، فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جارًا، أو ذا رحم محرم: تعدد الظلم، وصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم وأذى الجار، ولا يدخل الجنة قاطع رحم، ولا من لا يأمن جاره بوائقه" الجواب الكافي" (ص 154)". 

وقال المالكيّة بتأبيد تحريم المرأة المخبّبة على من أفسدها على زوجها معاملةً له بنقيض قصده، ولئلاّ يتّخذ النّاس ذلك ذريعةً إلى إفساد الزّوجات، وفي "الإقناع" (3/181) – وهو من كتب الحنابلة-: وقال في رجل خبب امرأة على زوجها: يعاقب عقوبة بليغة، ونكاحه باطل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما، ويجب التفريق بينهما، وقد خالفهم الجمهور.

وعلى الأزواج أخذ الحيطة والحذر وإحاطة مشاكلهم الزوجية وضغوطاتهم النفسية ومتاعبهم الزواجية بهالة من الغموض أمام الآخرين، فلا تدخل ولا سماح لأي شخص قريب أم بعيد بالتدخل وحق التكلم في الأمور الشخصية الزوجية، ما لم يستدعه الأمر لحل قضية انتهى به الأمر لخطر التفكك والانهيار، ولا بد من أن يكون شخصًا قريبًا وواعيًا وحكيمًا، واختياره بشكل دقيق، فكم من الأقارب من هم عقارب واللجوء إليهم خيبة أمل، فالصراحة بين الزوجين والبوح بما يعتلي الآخر من هموم قبيل الآخر، أمر في غاية الرقي، فهو جهاد من أجل صفاء النفوس والتقرب إلى الله، والحفاظ على الأسرار الزوجية، فكل زوجين خلقا في هذه الحياة ولا بد من وجود المودة والرحمة في قلوبهم، يقول الحق تبارك وتعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم: 21].

وإذا تيقن الشخص من محادثة زوجته لرجل أجنبي حديث ريبة، فإنه يجب عليه أن يذكرها بالله واليوم الآخر والتوبة إلى الله مما فعلت، فإن تابت وأنابت فذلك، وإن أصرت واستكبرت فلا خير في إمساكها، ولا حرج عليه في طلاقها، بل يتعين ذلك عليه في حال إصرارها على العلاقة المحرمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث. رواه أحمد والنسائي، وفي رواية أحمد: ثلاثة حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والذي يقر في أهله الخبث، والديوث هو الذي لا يغار على أهله.

أسأل الله أن يصلح الشباب والفتيات، وأن يجمع بين قلوب المتزوجين والمتزوجات على طاعة الله، وأن يجعل أولادهم لَبِنَاتِ خيرٍ للمجتمع والوطن.