الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. محمد بشاري يكتب: الدين.. حيث هو حجر أساس

صدى البلد

لو تخيلنا حزمة من الاستعدادات الذهنية، وحقيبة غنية من المؤونة الأخلاقية، يضاف إليها حاجة نابضة نشطة يحملها كل منا في صدره، تلح عليه مرةً تلو الأخرى بالسكون والطمأنينة الدينية، نستطيع ها هنا أن نلخص معنى أن تكون إنساناً.

وإن هذا لا يعد من قبيل الاختصار أو التهويل فيما ذكر، أو التهوين فيما لم يذكر، وإنما هو محاولة تفكيكية إيضاحية لجل ما يقوم عليه كينونة الوجود الآدمي، مالم يتعكر بمنغصات أو انحرافات دخيلة، فالاستعداد الذهني، هو الهبة الربانية الخَلقية التي تعني قدرة الأفراد على التصرف والإدراك والاحساس من خلال سيالات عصبية بالغة الدقة، تتحد مع شتى الأعضاء البيولوجية من أجل الوصول لأدق منتوج سلوكي أو معرفي جديد. وأما فيما يتعلق بصمام القيم الذي يرتبط أصيلاً في الوجود السوي والأكثر انتفاعاً ونفعاً للإنسان، فهو يتأثر بنضوج تلك الحمولة القيمية، وينطلق من التأسيس الفطري لها، إذ ترفض الفطرة الإنسانية السوية والنقية كافة نقائض الأخلاق ومعكوساتها، وإن تجملت!

وأما فيما يتعلق  بالنزوع إلى الدين، هو ميول وتوجه روحي بعيد عن التقيد بالجسد، سيما أن هذا الجسد يمثل أداة تحقيق الغايات الإنسانية بطبيعة عملية، ولا يمكن أن يشبع أو يقوم بمتطلبات روحية بحتة، ولذا عد الجسد "مكون عرضي" غير تأسيسي في أيما موضع عند الحديث عن تفكيك وتحليل عمق الذات الإنسانية.

إن الإمعان في هذه الأسس الثلاث : (العقل، القيم، الدين )، لا يضعنا في محور المبالغة، إذا ما وصفناها بأنها "تركيبة" متجانسة ينتمي لها جل النجاحات والاخفاقات في المجتمع البشري، بل أن لكل منها تسلسل وهيكلة لا يمكن عزله عن الدين، أو الحاجة له، فإذا ما فقدت، أو اعتراها أي من تأثرات التيارات الفكرية التي تسعى لفصل الدين عن كل شيء، وجدت عقبات وتحديات مستحدثة في الواقع الإنساني، فالعقل وإن يرغب في إطلاق عنانه، وإشباع جماحه الفائر، إلا أنه إن لم يقيد بسراج الوعي والدراية بالحد المسموح والخطوط الحمراء انقلب ترجمةً واضحة من عقل مفكر، إلى سلوك مدمر، وهنا تتجلى الاطروحات الدينية التي تحث على الاستزادة المعرفية، والتفكير والتفكر دونما خروج عما لا يفيد الإنسان، وإهدار طاقاته في ما يضره. وأما عن القيم ومؤنساتها الأخلاقية التي تتضيف البهجة والمعنى للحياة، فإنها وإن كانت عامة وفطرية، وسابقة للدين، إلا أنها تظل قاصرة معوزة لما يتممها، ويشحذ حوافها حتى تبدو أكثر دقةً واستقامة ولتزيل أي استثناءات قد تحول من الأخلاق لأداة تمييز أو ظلم أو تطويع، خدمةً لفكر ما أو انتماء، أو غيرها. وبالتالي فإن الدين هو حلقة وصل متينة تؤدي للتطوير والقوة والاستمرارية المبنية على أسس ثابتة صلبة.

و إن ما يجدر ذكره، في أكثر من هذا الموضع والمقام، أن كل ما يجري تدارسه وتناقله، وإن عد متفرداً أو أصيلاً، فلا بد من الإشارة لانتمائه وما مثل أساساً في تكونه، وترعرعه، من مرجعية تاريخية ودينية واجتماعية وثقافية، وبالتالي يظل هناك آفاق طولها كطول أشعة الشمس، ممتدة كثيرة العطاء، دافئة ومهمة، ولكن انكسارها على الأجسام، أو تبدل قوتها وشكلها لا يمثل حقيقتها المطلقة، ولا يعني صيغتها الأخيرة. وبالتالي علينا دائماً الإصغاء للصورة الفلسفية الأولى، دون تردد في مد البصر لما يختبئ ورائها، وما دفع بها لتطفو على السطح.