في خطوة جديدة نحو ترسيخ العلاقات الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي، شارك الرئيس عبدالفتاح السيسي، أمس الأربعاء الموافق 22 أكتوبر 2025، في القمة المصرية الأوروبية الأولى التي انعقدت في مقر المجلس الأوروبي بالعاصمة البلجيكية بروكسل. وجاءت هذه القمة لتؤكد المكانة المحورية التي باتت تحتلها مصر على الساحة الإقليمية والدولية، ولتعكس عمق الشراكة الممتدة بين القاهرة وبروكسل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
وترأس الرئيس السيسي الوفد المصري المشارك في أعمال القمة، والذي ضم الدكتور بدر عبدالعاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والمهندس حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية. وقد ترأس الجانب الأوروبي كل من السيد أنطونيو كوستا رئيس المجلس الأوروبي، والسيدة أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية.
استقبال رسمي ومباحثات ثنائية
صرّح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية أن الرئيس السيسي حظي باستقبال رسمي رفيع المستوى من قبل رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضية الأوروبية، حيث تم التقاط الصور التذكارية بهذه المناسبة. أعقب ذلك لقاء ثنائي ضم الرئيس السيسي مع المسؤولين الأوروبيين، بحضور وزير الخارجية المصري، أعقبه توقيع عدد من الاتفاقيات المشتركة التي تُعزز مجالات التعاون الثنائي.
افتتاح القمة وكلمة الرئيس السيسي
أوضح السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن أعمال القمة بدأت بكلمتين ترحيبيتين من رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضية الأوروبية، أعقبهما كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي الافتتاحية، التي أعرب فيها عن خالص الامتنان لحفاوة الاستقبال، مشيرًا إلى أن هذه القمة تمثل تجسيدًا حقيقيًا للشراكة الاستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي.
وأكد الرئيس أن مصر تتطلع إلى تعميق التعاون في مجالات الاستثمار، والتنمية المستدامة، والطاقة، والأمن، والتعليم، والابتكار، والهجرة، مشددًا على أن مصر شريك موثوق للاتحاد الأوروبي وتمثل عمقًا استراتيجيًا له، وتمتلك من المقومات ما يجعلها شريكًا صناعيًا وتكنولوجيًا فاعلًا.
مضمون كلمة الرئيس في القمة
في كلمته، تطرّق الرئيس السيسي إلى أبرز التحديات العابرة للحدود، مثل الهجرة غير الشرعية، والإرهاب، وتدهور الأوضاع الإنسانية، والهجمات السيبرانية، مؤكدًا أن مصر تظل طرفًا مسؤولًا في مواجهة تلك التحديات، وتسعى إلى ترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة.
كما أشار إلى الدور الذي تلعبه مصر في استضافة قمة شرم الشيخ للسلام لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وسعيها المستمر للوساطة في النزاعات الإقليمية، معربًا عن أمله في أن تسفر القمة عن نقاشات بنّاءة تفتح آفاقًا جديدة للتعاون المشترك.
مناقشات القمة والقضايا المطروحة
شهدت القمة مناقشة موسّعة لعدد من الملفات الجيوسياسية المهمة، أبرزها:
- تطورات الأوضاع في قطاع غزة،
- الأزمات في ليبيا والسودان وسوريا والقرن الإفريقي،
- الملف النووي الإيراني،
- الحرب في أوكرانيا واليمن والبحر الأحمر،
بالإضافة إلى موضوعات الهجرة وتعزيز الشراكة الاقتصادية والاستثمارية بين مصر والاتحاد الأوروبي، وذلك ضمن محاور اتفاقية الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين الجانبين.
المؤتمر الصحفي وكلمة الرئيس السيسي
عقب انتهاء أعمال القمة، عُقد مؤتمر صحفي مشترك بين الرئيس السيسي، ورئيس المجلس الأوروبي، ورئيسة المفوضية الأوروبية، حيث ألقى الرئيس كلمة شاملة أكد فيها على أهمية هذه القمة التاريخية باعتبارها الأولى من نوعها بين الاتحاد الأوروبي ودولة من جنوب المتوسط.
وفي مستهل كلمته، عبّر الرئيس عن تقديره للاتحاد الأوروبي على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، مؤكدًا أن العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي تضرب بجذورها في التاريخ، وتستند إلى مصالح مشتركة وروابط جغرافية وإنسانية عميقة، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول لمصر، والداعم الرئيس لبرامج التنمية المستدامة في البلاد.
ملفات السلام والتنمية والإصلاح الاقتصادي
أكد الرئيس أن القمة المصرية الأوروبية الأولى تمثل منصة مهمة لتبادل وجهات النظر حول التحديات التي تواجه ضفتي المتوسط، مشيرًا إلى ما بذلته مصر من جهود مكثفة للتوصل إلى وقف إطلاق نار شامل في قطاع غزة استنادًا إلى خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تُوجت بالتوقيع على “إعلان الرئيس ترامب للسلام المستدام والرخاء” في شرم الشيخ يوم 13 أكتوبر الجاري، بمشاركة عدد كبير من قادة الاتحاد الأوروبي والعالم.
كما دعا الرئيس إلى مشاركة فاعلة من الدول الأوروبية في مؤتمر إعادة إعمار غزة المقرر عقده في النصف الثاني من نوفمبر المقبل، مؤكدًا أن تلك الخطوة تأتي استكمالًا لمسار السلام العادل القائم على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
الموقف المصري من أزمات المنطقة
خلال كلمته، شدد الرئيس السيسي على ثوابت الموقف المصري تجاه أزمات السودان وليبيا، حيث أكد استمرار جهود مصر لوقف إطلاق النار في السودان بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية، للحفاظ على وحدة الدولة ومنع انزلاقها إلى الفوضى.
وفيما يتعلق بليبيا، أعاد التأكيد على دعم مصر لتسوية سياسية شاملة بقيادة ليبية خالصة، تضمن وحدة المؤسسات وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من أراضيها، تمهيدًا لإجراء انتخابات حرة تعبر عن إرادة الشعب الليبي.
الهجرة غير الشرعية والتعاون العلمي
تناول الرئيس قضية الهجرة غير الشرعية باعتبارها تحديًا مشتركًا بين مصر وأوروبا، موضحًا أن الحل لا يكمن في المواجهة الأمنية فقط، بل في معالجة الأسباب الجذرية للهجرة من خلال دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخلق فرص العمل.
وأشار إلى أن مصر لم تخرج منها أي مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين منذ عام 2016، رغم استضافتها لأكثر من 9.5 مليون أجنبي يتمتعون بنفس الخدمات المقدمة للمواطنين المصريين.
وفي ختام كلمته، أعرب الرئيس عن تقديره لتوقيع اتفاقية انضمام مصر إلى برنامج “أفق أوروبا”، الذي يُعزز التعاون في مجالات التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، معتبرًا ذلك استثمارًا طويل الأجل في مستقبل الأجيال القادمة.
اختُتمت القمة المصرية الأوروبية الأولى بتأكيد الجانبين على عمق الشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي، وحرصهما على تعزيز التعاون في مختلف المجالات بما يخدم الاستقرار والتنمية في المنطقة.
ودعا الرئيس السيسي إلى أن تكون هذه القمة نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من العمل المشترك، تقوم على العدل والسلام والتكامل والاحترام المتبادل، وتُرسخ العلاقات المصرية الأوروبية كنموذج يُحتذى به في التعاون بين ضفتي المتوسط.