في خطوة مثيرة للجدل أعادت مروان البرغوثي إلى واجهة الأحداث، ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إمكانية الدفع باتجاه الإفراج عن القيادي الفلسطيني البارز المعتقل في السجون الإسرائيلية منذ أكثر من عقدين.
جاء ذلك خلال مقابلة أجراها مع مجلة تايم، حيث كشف ترامب عن أن هذا الملف طُرح عليه قبل دقائق من المقابلة، قائلاً: "سأتخذ قراراً قريباً"، في إشارة إلى أنه يدرس الموضوع بجدية ضمن رؤيته لمستقبل الشرق الأوسط، خصوصاً ما بعد الحرب في غزة.
هذا التصريح، رغم بساطته الظاهرية، يحمل أبعاداً سياسية عميقة، إذ يفتح مجدداً ملف القيادة الفلسطينية ومستقبل السلطة في مرحلة ما بعد الحرب، وسط غياب واضح لشخصيات قادرة على توحيد الصف الفلسطيني.
مروان البرغوثي.. "مانديلا فلسطين" خلف القضبان
واعتُقل مروان البرغوثي عام 2002 خلال الانتفاضة الثانية، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد خمس مرات إضافة إلى 40 عاماً، بتهمة التورط في هجمات ضد إسرائيل.
ورغم مرور أكثر من 20 عاماً على سجنه، ظلّ البرغوثي أحد أبرز الرموز الوطنية في الشارع الفلسطيني، إذ يُنظر إليه كقائد يتمتع بشعبية عابرة للفصائل، وكمنافس محتمل على رئاسة السلطة الفلسطينية في حال أُجريت انتخابات حرة.
وقاد البرغوثي من داخل سجنه إضرابات جماعية عن الطعام لتحسين أوضاع الأسرى، وكتب عام 2006 "وثيقة الأسرى" التي دعت إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية وحل الدولتين، وهي وثيقة حظيت بتأييد واسع حتى من حركة حماس.
ترامب يشكك في قيادة عباس ويبحث عن بديل
في المقابلة نفسها، تحدث ترامب عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قائلاً: “لطالما كانت علاقتي به جيدة، ووجدته شخصاً معقولاً، لكنه على الأرجح غير قادر على إدارة غزة.”
وأضاف أن الفلسطينيين اليوم يفتقرون إلى قيادة واضحة، موضحاً: "ليس لديهم قائد الآن، وربما لا يريدون واحداً، لأن كل من يتولى القيادة يتم اغتياله.. إنها ليست وظيفة مرغوبة."
وهذه التصريحات تعكس بوضوح رؤية ترامب بأن القيادة الفلسطينية بحاجة إلى تجديد شامل، وأن البرغوثي قد يمثل ورقة يمكن أن تعيد التوازن المفقود داخل الساحة السياسية الفلسطينية، خاصة في مرحلة ما بعد الحرب الحالية على غزة.
وهناك خمسة دوافع وراء اهتمام ترامب بالبرغوثي، هي:
غياب القيادة الموحدة:
يرى ترامب أن غياب شخصية فلسطينية قادرة على توحيد الضفة وغزة يمثل عائقاً أمام أي تسوية مستقبلية. والبرغوثي، بشعبيته وشرعيته الميدانية، قد يملأ هذا الفراغ.
الشرعية الشعبية المفقودة:
البرغوثي يتصدر باستمرار استطلاعات الرأي كأكثر الشخصيات قبولاً لدى الفلسطينيين، ما يجعله خياراً محتملاً لإعادة بناء الثقة بين الشعب والسلطة.
بديل واقعي لعباس:
مع تراجع شعبية الرئيس عباس واتهامات الفساد التي تطارد السلطة الفلسطينية، يبدو أن ترامب يبحث عن وجه جديد قادر على إدارة مرحلة ما بعد الحرب دون إثارة اعتراضات شعبية كبيرة.
دعم حل الدولتين واستقرار المنطقة:
يَعتبر ترامب أن إطلاق سراح البرغوثي قد ينعش فكرة حل الدولتين التي تبنّاها الأخير في "وثيقة الأسرى"، وهو ما يمكن أن يفتح الباب أمام تسوية سياسية طويلة الأمد.
تأثير دوائر النفوذ والمستشارين:
بعض الدوائر المقربة من ترامب، بما فيها شخصيات يهودية أمريكية مؤثرة، ترى أن إدماج البرغوثي في العملية السياسية قد يخدم استقرار المنطقة على المدى البعيد.
رفض إسرائيلي قاطع وموقف أمريكي غامض
رغم الحديث الأمريكي، لا تزال إسرائيل ترفض بشكل صارم فكرة الإفراج عن البرغوثي. وتصرّ الحكومة الإسرائيلية على أنه "مسؤول عن هجمات أودت بحياة مدنيين"، وترى أن إطلاق سراحه سيكون بمثابة "تشجيع للإرهاب".
وفي المقابل، لم يُعلن ترامب بعد عن أي خطة واضحة، مكتفياً بالقول إنه "سيتخذ قراراً قريباً"، ما يوحي بأنه يختبر ردود الأفعال المحلية والدولية قبل المضي قدماً في أي خطوة عملية.
البرغوثي بين السجن والمستقبل السياسي
بالنسبة لكثيرين من الفلسطينيين، يُعد مروان البرغوثي رمزاً للصمود والمقاومة، وليس مجرد أسير سياسي. ورغم القيود، فإن نفوذه داخل الحركة الأسيرة وحركة "فتح" لم يتراجع، بل زاد مع مرور الوقت.
وفي حال أُفرج عنه، يتوقع مراقبون أن يشكل البرغوثي نقطة تحول في المشهد الفلسطيني، وربما يعيد ترتيب أوراق السلطة، ويفتح باباً جديداً أمام المصالحة الوطنية.
ورقة البرغوثي بين السياسة والرمزية
تصريحات ترامب حول احتمال التدخل للإفراج عن مروان البرغوثي أعادت إلى الأذهان فكرة أن الحل السياسي في فلسطين لا يمكن أن يتم بمعزل عن رموزها التاريخية.
لكن بين الرغبة الأمريكية في إعادة تشكيل القيادة الفلسطينية، والرفض الإسرائيلي القاطع لأي تنازل.