الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مفتي الجمهورية: لا يوجد فصل بين الإيمان والأخلاق والعمل والتدين الحقيقي هو المتبع للمنهج الشرعي الصحيح المأخوذ عن العلماء

صدى البلد

مفتي الجمهورية في برنامج "حوار المفتي":
تركيز التشريع الإسلامي على الأخلاق بصورة أكبر من تركيزه على العمل، يؤكد أن الأخلاق إنما هي مناط التدين الحقيقي
التدين يثمر ثقافة حقيقية عملية، واتباع القواعد والأصول العلمية تصب في صالح التدين الصحيح
اللعب على أوتار العواطف الدينية بالشعارات سياسة قديمة تحاول الوصول إلى مصالح خاصة بأصحابها
التدين الحقيقي هو ذلك المتبع للمنهج الشرعي الصحيح المأخوذ عن العلماء


قال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، إن القلب يحوي جملةً من المعاني الخفية، ليست ظاهرة أمام الناس، هي أساس المعاملة القائمة على الأخلاق، وقد ركز الإسلام على أهمية الأخلاق، وهي مرتبة الإحسان التي ذكرها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الأول، والإحسان من حيث استقراره في القلب هو ما ينظم مسألة الأخلاق ويراقبها ليرقيها.

وأضاف المفتى في برنامج "حوار المفتي"، أنه لم يتم التركيز كثيرًا على الأعمال في التشريع القرآني كما ركز على الأخلاق؛ جانب التدين الحقيقي، التي تنعكس على العمل في النهاية، وقد ظل طوال العهد المكي 13 عامًا لم ينزل فيها تشريعات تنظم المجتمع إلا بعض ما يرتبط بجانب الأخلاق.

وأوضح، أن المنظومة الإسلامية كلها تركز على الجوهر وليس لها ارتباط كبير بالشكل، وكان الدكتور محمد عبد الله دراز، وهو ابن الشيخ عبد الله دراز محقق كتاب الموافقات للشاطبي، كان قد كتب رسالة بالفرنسية عن دستور الأخلاق في القرآن الكريم، يقول فيها: إن منظومة الأخلاق في القرآن منظومة متكاملة تمثل دستورًا، لو تمثله الإنسان لوصل إلى بر الأمان.

وأضاف أن الدين علم له قواعده وأصوله المأخوذة من القرآن والسنة وعليها عمل العلماء لترسيخ هذه القواعد وبيان حقيقتها، والتدين يثمر ثقافة حقيقية عملية، واتباع القواعد والأصول العلمية تصب في صالح التدين الصحيح، أما إذا انبتت الصلة بين التدين والقواعد العلمية المستنبطة؛ ينتج التدين المغلوط، وهو ما نراه في الجماعات الإرهابية -مثل داعش- التي هي امتداد لفكر الخوارج، وهو فكر يموت ويبعث في أشكال مختلفة عبر العصور، ونحن نعيش اليوم فترة إحياء لهذه الأفكار، وقد ناقشهم فيما مضى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس وفند شبههم، حتى أسكتهم، لكن عمى البصيرة هو أشد من عمى البصر.

كما قال الله سبحانه وتعال: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } [البقرة: 7]، فالحقيقة أنهم لم ينتبهوا لهذا الدرس الكبير من الصحابي الجليل، وقد ذكر لهم قبل أن يناقشهم جملة في غاية الأهمية، تؤصل لمسألة التدين الحقيقي، قال: جئتكم من عند أمير المؤمنين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد أنهم إنما خرجوا من عباءة الدولة والجماعة بخروجهم على الإمام الممثل للدولة، وعن منهج الصحابة الذين ينضوون تحت الدولة، وتلك إشارة إلى أن صحابة الرسول قد ورثوا المنهج النبوي، وأن الخوارج يخالفون القواعد والأصول والعلم الحقيقي المثمر للتدين الحقيقي … وهذا يثبت أن هناك فارقًا بين الدين كمنهج واحد والتدين كسلوك مختلف.

وأكد المفتي أن مسألة اللعب على أوتار العواطف الدينية بالشعارات، هي سياسة رُسمت من قديم، سياسة تريد أن تصل إلى أهداف لها محددة، لكنها وجدت أن طبيعة المصريين المحبة للتدين تثق في الشكل والمظهر، فاشتغلت هذه الجماعات على الشكل وأنشأت كيانات موازية للدولة؛ لزعزعة العلاقة بين الدولة والمواطن، حتى وصلوا إلى مرحلة تضليل الناس وإيهامهم بأن الحق محصور عندهم، وأنهم مُلَّاك الحقيقة المطلقة، وبناء عليه استخدموا هذه الشعارات، مستغلين بُعد الناس عن العلم الشرعي، موهمين أن الانتماء للوطن يتعارض مع الانتماء للدين، وهو زعم باطل، ونحن نريد أن نعيد منظومة الأخلاق والتدين الحقيقي إلى منابعه وأصوله الشرعية.

وأضاف، أن المسلم المتدين الحقيقي شخصيته واحدة في العلن والخفاء، فلا يستغل جانب لتحقيق مصلحة ما، ولذلك كان الإنسان المستغل لحاجة الناس عن طريق الدين، غاشًّا للناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»؛ نظرًا لعدم الوضوح في تعامله، والوضوح هذا لا يكون إلا في ثقافة أخلاقية حقيقية، أما الاستخدام السياسي للدين فمن التدين الشكلي المستغل من قِبل هؤلاء لإيقاع الناس في شَرَكهم.

وشدد المفتي على أن التدين الحقيقي هو ذلك المتبع للمنهج الشرعي الصحيح، المأخوذ عن العلماء، وهذا المنهج هو ما عبر عنه ابن عباس، كما ذكرنا، حين أخبر أنه جاءهم من عند الصحابة، الوارثين العلم عن النبي الكريم، وورَّثوه للتابعين وتابعيهم حتى وصل إلى الأزهر الشريف. ذلك المنهج الصحيح الذي يربط بين الشكل والمضمون بوضح تام، ولا يفصل بحال بينهما، ونحن ننصح السائلين أن يلجئوا إلى المتخصصين في العلوم الشرعية الذين تشربوا المنهج الصحيح، عبر سنوات درس طويلة، وهو ما يفتقده جماعات الإرهاب النابتة المفتقدون للعلم الصحيح الطويل والدرس المتأني على أيدي المشايخ، فتجد أحدهم يتصدر للفتوى بغير منهج، وقد أنكر الشيخ الغزالي على أمثال هؤلاء الشباب حماستهم وإرادتهم للتصدر والدرس بغير تعلم حقيقي على أيدي العلماء، فقال في سخرية مُرَّة: الشاب من هؤلاء يشتري كتابًا يوم السبت ويقرؤه الأحد ويفتي به الإثنين.

وأكد أن طريقة الوجبات السريعة هذه لا تصلح في العلم، وإنما لا بد من الدرس الطويل والصبر عليه حتى يتأهل المتعلم ويكون جديرًا بنقل علمه، وقد صاحب ابن القاسم الإمام مالكًا عشرين سنة يتعلم عليه ولم يتصدر للدرس، ثم عندما تصدر للدرس والتدريس وسأله سحنون أجاب ابن القاسم بمنهجية واحدة نابعة من الصبر على العلم على يد الإمام مالك، هذا هو العلم المراد تربية النشء عليه، لا هذه الوجبات السريعة المفسدة. وهذا هو منهج الأزهر منذ أكثر من ألف سنة، وما زال على هذا النهج، وأي معهد علمي لا يلتزم بهذا المنهج لا يؤهله للحضور العلمي كل هذا الزمن.

وتابع المفتي مفسرًا ذلك بأن هذه المنهجية أُخذت عن الصحابة ثم التابعين ثم الأئمة الأربعة، ثم المجتهدين عبر التاريخ، حتى وصلت إلى الأزهر الذي درسها مرتكزًا في منهجه على التعددية المذهبية المأخوذة من الأشعرية التي لا تكفر أحدًا، معتنيًا بالتهذيب الروحي الذي هو التصوف والتزكية، ومطبقًا لحديث الرسول عن الإسلام والإيمان والإحسان، فالأزهر يستمد فقهه من مذاهب الأئمة الأربعة وغيرها، ثم يستند إلى الإيمان الذي لا يكفر أحدًا من أهل القبلة، ثم السلوك الذي يتبع الإحسان، وهذا ما يحقق الأمن المجتمعي، الذي به تستقر المجتمعات، على عكس ما نجد عند النابتة من الشباب الذين يريدون هدم المنهج الأزهري، موهمين أنه على غير الصواب، وهو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم كما نرى في حديث «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدًا منهم. حيث اختلفت الفهوم كما نرى في تفسير قول النبي، ولم يخطئ هو أحدًا منهم وأقرهم جميعًا، هذه المنهجية أثبتها الشافعي حين قال: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، وأصَّل لها السيوطي فقال: لا ينكر المختلف فيه وإنما ينكر المتفق على إنكاره.

وأوضح أنه على مر دراسته لم يسمع من ينكر مذهبًا بين زملائه أو شيوخه، فلا ينكر مالكي على حنفي أو شافعي … وهكذا، وهو انعكاس أصيل لمنهج الأزهر التعددي.

وأكد أن منهج الأزهر ممتد لما يزيد عن ألف سنة لم يخرج فكرًا متطرفًا، فلا تكاد تجد صاحب فكر متطرف قبل القرن العشرين، أما من أتى بعد ذلك وانتسب للأزهر فهم من القلة بمكان حيث يمكن حصرهم على الأصابع، وهؤلاء لم يتبنوا في يوم منهجية الأزهر، وإلا فإننا نحتكم للدليل الواقعي، كما رد صوفي أبو طالب على من يقول إن الفقه الإسلامي مأخوذ من فقه الرومان، فطالبه بالأدلة، وأظهر أن هناك استقلالًا للفكر الإسلامي عن نظيره الروماني، وعليه نقول لأصحاب هذه الشبهة: هاتوا منهجية هؤلاء وقيسوها على منهجية الأزهر تجدوا اختلافًا كبيرًا بين منهج الأزهر الوسطي المعتدل ومنهج هؤلاء.