مؤسس "القضاء الشرعي" بسيناء: لا نعترف بشهادة غير المصلي ونطبق الحدود لإسقاط الذنوب والدية تصل إلى 400 جنيه

عقب انتهاء ثورة الخامس والعشرين من يناير، تم تدشين أول دار "قضاء شرعي" تحكم بين الناس بشرع الله وتطبيق الحدود بشمال سيناء، لتكون أول دار قضاء شرعي في مصر، وسرعان ما اتجه معظم أهالي شمال سيناء، وبنسبة أكثر من 85% من المتنازعين، إلى الاحتكام لشريعة الله.. وفي هذا الحوار مع الشيخ أسعد البيك، مؤسس أول دار قضاء شرعي بشمال سيناء ومصر، نتعرف على الهدف من الدار وكثير من المعلومات عنها.
* متى بدأتم في تنفيذ فكرة القضاء الشرعي بشمال سيناء؟
** بداية القضاء الشرعي كانت بعد توقيع معاهدة السلام بسنتين تقريبا، أي منذ أكثر من 20 عاما، وتم الأمر بالمجهود الذاتي، حيث يلجأ الناس الينا لحل مشاكلهم وإنهاء النزاع بشرع الله، وكانت في البداية مسألة فردية بجهود ذاتية في البيت وتطورت مع الوقت إلى ان قمت بفتح المكتب بشكل معلن بعد الثورة، لأن النظام السابق كان يضطهد أي فكرة إسلامية.
* ما الهدف من دار القضاء الشرعي؟
** الهدف الأساسي للدار هو تطبيق شرع الله على الأمة كلها لان الإنسان لكي يكون أخلص العبودية لله عز وجل لابد ان يحتكم إلى أمر الله فالمشرع هو الله والحكم هو الله وهناك أدلة كثيرة في كتاب الله عز وجل تنص على هذا المعنى والأمر ولابد من تحقيق هذا الأمر بقدر ما نستطيع وبأسلوب سلمي هادئ لا بعنف، وبدعوة راشدة بسيطة وبمخاطبة الناس مخاطبة حسنة حتى ان نصل إلى تطبيق شرع الله بقدر المستطاع وبشكل تدريجي.
* من أين تحصلون على تشريعاتكم التي تحكموا بها في القضايا؟
** من خلال القرآن الكريم و سنة محمد عليه أفضل السلام.
* وفي حال وجود ثغرات أو جدل حول أمر ما في قضية؟
** لا توجد أي ثغرات في قوانين الله عز وجل، وفي حال وجود اختلاف معين في قضية نلجأ إلى أهل العلم في المسألة ونحصل على الرأي الأرجح و الأقوى.
* هل القضاء الشرعي إجباري في سيناء.. وكم معدل الحضور للتقاضي لديكم؟
** لا، ليس إجباريا، فالناس يأتون بكامل إرادتهم للتقاضي لشرع الله، وهناك الكثير من الأهالي يأتون للتقاضي بشرع الله، ومحجوز لدينا قضايا ومواعيد حتى منتصف شهر 5 المقبل، ويتم القضاء في 5 قضايا في اليوم.
* هل الدار مقتصرة على الملتزمين ومن يريدون تطبيق الشريعة؟
** جميع طبقات وفئات الشعب تأتي، ملتزمون وغير ملتزمين، وحتى غير المسلمين.
* وهل يحضر إليكم بالفعل غير مسلمين؟
نعم بالتأكيد، حضر محتكم مسيحي وتم الحكم لصالحه لكونه صاحب حق في القضية، وعند سؤاله بعد الحكم عن سبب قدومه، أكد أنه كان عنده قدر كبير من الثقة في أنه سينصف من عدل الإسلام، فالإسلام لا يظلم ودار القضاء مفتوح لجميع فئات الشعب ملتزم أو غير ملتزم مسلم ومسيحي وجميع الأديان، فالإسلام دين للعدل.
* هل تحصلون على مقابل لعملكم بالقضاء الشرعي من المحتكمين؟
** لا نحصل أي مقابل من المتقاضين، وعملنا خالص لله سبحانه وتعالي من أجل تطبيق شرع الله ونشر العدل.
* وكيف تحصلون على مصاريف الدار.. خاصة وأنتم متفرغون لهذا العمل؟
** جميع المصاريف ذاتية ومن أشخاص يريدون نشر الخير، وهناك من يتبرع بأوراق أو حبر للكمبيوترات أو بغيرها من المتطلبات اليومية.
* هل هناك دار قضاء شرعي آخر غيركم؟
** نعم، هناك لجنة أخرى بالعريش، فضلا عن وجود دارين قضاء بمدينة الشيخ زويد و دارين بمدينة رفح.
* ما مواصفات القاضي الشرعي؟ وكيف يثق الأهالي فيه؟
** القاضي الشرعي معروف في البلد لديه سمعة وخبرة في المجال وفقه في الأمور، ولابد ان يكون ورعا وتقيا لكي لا يظلم، ولديه حد أدنى من العلم الشرعي والذي يستطيع من خلاله ممارسة القضاء الشرعي، بالإضافة إلى أهمية توافر النباهة والذكاء في المحاورة مع المتنازعين وكيفية الاستجواب وتوجيه الأسئلة.
* كيف يستطيع الأهالي القدوم إليكم وتسجيل شكوى أو طلب لعرض القضايا عليكم للنظر فيها من فضيلتكم؟
** لنفترض ان شخصًا ما لديه مشكلة أو نزاع مع شخص آخر وليكن نزاعًا على أرض، يتقدم إليها بطلب ويوضح المشكلة ويتم عمل محضر بذلك، ومن ثم إعطائه موعدًا وطلب حضور ويتم تحديد الجلسة وإرسال الموعد للشخص الآخر، وفي بدء ميعاد الجلسة يتم التوقيع على مشارطة التحكيم.
* وما مشارطة التحكيم.. وما محتوياتها؟
** مشارطة التحكيم تحتوي على بنود يجب الأخذ بها من المتنازعين ويوقع عليها الطرفان قبل البدء في الجلسة، وتحتوي على 15 بندًا من أهمها "انك تتحاكم لشرع الله سبحانه وتعالي الحكم بالشريعة وسنة رسوله، لا تردد في تنفيذ الحكم، لا تناقش القاضي في الحكم، يجب ان يكون هناك كفيل لكل من المتنازعين، لا يوجد من ينوب عن المتنازع في الحديث، الشاهد الذي لا تتوفر فيه شروط العدالة لا نأخذ بشهادته".
* لا يناقش المتنازع القاضي في الحكم.. ولا يؤخذ بالشاهد الذي لا تتوفر فيه شروط العدالة.. كيف ذلك؟
** نعم، فالشاهد الذي لا يصلي لا يأخذ بشهادته فمن الممكن ان يحلف يمين كذب ويظلم، ويتم سؤاله عما إذا كان يصلي أم لا، وإذا كان هناك شك يتم السؤال عنه ويتضح الحق، وفي حال التأكد من عدم صلاته فلا يتم الأخذ بشهادته.
* وبالنسبة لعدم مناقشة الحكم بعد صدوره؟
بعد صدور الحكم لا يناقش المتنازع الحكم , ولكن إذا كان متظلما يتفق مع الطرف المقابل ويتم احالته لدار قضاء أخرى , لأنه ربما يكون هناك خطأ من القاضي لأنه بشر وليس معصوما من الخطأ , و إذا كان احد المتنازعين غير راضي على الحكم ويرى ان هناك خطأ ما من القاضي أو توجد أدلة غير مستوفاة أو هناك دليل لم يستطيع الحصول عليه وظهر فيما بعد الحكم , فهنا يمكنه التقاضي مرة أخرى, وإعادة التقاضي و الحكم في القضية حتى لو في دار قضاء أخرى لا يضر المتحاكمين.
•كيف تضمنون تنفيذ الحكم الصادر عنكم؟
يتم ذلك عن طريق نظام الكفيل، بحيث يكفل تنفيذ الحكم الصادر ضد المكفول وفي حال امتنع المكفول عن التنفيذ فالكفيل يحل محله وينفذ الحكم، وذلك خاص بقضايا الحقوق والماليات، فإذا كان المكفول عليه مبلغ وتقاعس عن الدفع فالكفيل ملزم بالدفع ويتصرف هو مع المكفول .
* وما المقصود بالكفيل؟
** الكفيل عبارة عن شخصية اجتماعية لها مكانتها ومقدرة مالية ومعنوية ويلتزم بتنفيذ الحكم على المكفول، وعقد الكفالة في الإسلام نظام شرعي.
* وفي حال لم يستطع أحد المتقاضين توفير كفيل؟
** في حال عدم استطاعة توفير كفيل فيوقع على إيصال لضمان تنفيذ الحق، والكفالة عقد تطوعي وبدون مقابل لفض النزاع وإنهاء الخلاف بين الناس.
* في حال الحكم في قضايا الحدود.. كيف تنفذون ذلك؟
** نحن لا نملك إقامة الحدود وذلك لا يمكن ان ينفذ إلا في نظام قيادة إسلامية وحاكم يفرض ذلك، لكن ما نفعله هوا اننا نستعيض عن إقامة الحدود بنوع من التعزير، على سبيل المثال واحد سرق وتوفرت فيه كل شروط السرقة حده في الإسلام قطع اليد، ونخبره بذلك لكن لا نملك إقامة الحد عليه ونغرمه مبلغا ماليا كبيرا لكي لا يكرر ذلك.
* الهدف من اقامة الحدود إسقاط الذنب عن المخطئ في الدنيا لكي لا يحاسب مرة أخرى في الآخرة.. هل تغريمه بمبلغ مالي يسقط عنه الذنب؟
** لا يسقط عنه الذنب إلا بإقامة الحدود عليه، فالحدود مذهبه للذنوب ولكن ما يدفعه بمثابة نوع من التعزير قد يقلل حجم الذنب لكن لا يطهره 100% إلا إذا تاب توبة نصوحًا وعاد الحق إلى صاحبه، والهدف من ذلك إنهاء المنكر والأمر بالمعروف حتى يسود العدل ولا تنتشر المصائب.
* نشر في بعض وسائل الإعلام أنكم تقومون ببناء دولة داخل دولة وتحرضون الشعب على عدم الاحتكام بالقانون.. ما صحة هذا الكلام؟
** أولا هذا كلام غير صحيح نهائيا ومبالغ فيه من الصحف، وثانيا مسألة دولة داخل دولة كلام يراد به هدم الثورة، وعندما كان العرف في سيناء سائدا وبمساندة من الأمن، لماذا لم يشغل بال أحد ذلك الأمر ويكتب أنهم يريدون دولة داخل دولة؟ وصل الأمر إلى أن الأحكام العرفية من مشايخ سيناء تحصل على الصيغة التنفيذية من المحكمة ويتم تطبيقها، لكن عند الحديث عن شرع الله يتحدث هؤلاء لقتل الثقة بين الشعب والدين، ونؤكد انه لا يجرؤ أحد على أن يخرج عن سياق الدولة ولا يصح هذا الحديث نهائيا، ونحن نساعد في تثبيت الأمن وإقرار الأمن في البلد وتحجيم الانفلات الأمني المنتشر بعد الثورة.
* وهل عرضتم ان تعتمد أحكامكم لديهم وينفذ الشرع من خلالهم؟
** نحن بالفعل بصدد هذا الأمر ومقابلة القيادات الأمنية في شمال سيناء وسنحاول أن نطلب منهم تنفيذ الأحكام الشرعية، لأن الأمن ما بعد الثورة متفاهم معنا إلى حد ما والوضع يختلف بكثير عن ما قبل الثورة.
* وكيف نقنن ذلك الأمر؟
** ضبط الأمر سهل وذلك عن طريق هيمنة الأزهر على القضاء الشرعي بحيث يكون هو المتحكم في هذا الأمر.
* ولماذا لا تحكمون في بعض الأمور بالقانون؟
** لا نعترف بأي قانون من وضع الإنسان، ولا نعترف إلا بكتاب الله وسنته، وتلك قضية تمس التوحيد، فواجب على كل مسلم الا يحتكم إلا لشرع الله، والتحاكم لشرع الله مرتبط بقضية الايمان أو الكفر.
* هل يحاسب الشخص الذي يحتكم لدى المحاكم المتعارف عليها بالقانون؟
** ممكن تحاسب لو بإرادتك ذهبت لتحتكم لغير الشريعة، فذلك ذنب خطير وأمر خطير على التوحيد.
* قلتم إنه يتم تغريم المخطئ مبالغ مالية وفق الشريعة.. فماذا يحدث إذا كان المحكوم عليه فقيرا.. هل يتم إعفاؤه من الحكم؟
** الحكم ليس له دخل بإمكانيات الأشخاص، لأنه حق لأحد الطرفين وليس له دخل نهائيا في إمكانيات الطرف المحكوم ضده، التسامح يكون من صاحب الحق وليس من الحاكم، وفي حال عدم الموافقة فهو ملزم بالدفع، وفي النظام الإسلامي في حال ما لم يستطع الشخص دفع ما عليه يتم دفع المبلغ من بيت المال الخاص بالدولة، وذلك لإفشاء العدل وإنهاء المنكر والظلم.
* هل سبق وحكمتم على شخص بمبلغ كبير؟
** نعم كان هناك شخص تعدى على شخص كبير في العمر وترتب على ذلك دخول المجني عليه في غيبوبة لمدة ثلاثة أشهر، فضلا عن إحداث عاهة مستديمة لدى المجني عليه، وبالحكم على الجاني فقد صدر ضده دفع 126 ناقة "جمل"، في حين دية القتيل 100 ناقة، وتم إلزام الجاني بالدفع وذلك بسبب قوة الكفيل وتم تقسيط المبلغ بناءً على قبول الجاني وبلغ المبلغ ما يقارب 400 ألف جنيه.