فضائل العشر من ذي الحجة

قال ابن عباس ومجاهد ومقاتل وغيرهم: إن عشر ذي الحجة هي أفضل أيام الدنيا كما جاء ذلك عن النبي حيث قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر"، وقال أيضا: "ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير".
من فضائل العشر من ذي الحجة:
1- أن الله أقسم بها في كتابه العزيز، حيث قال سبحانه: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2].
2- وأن الله أمر فيها بكثرة التسبيح التهليل والتكبير والتحميد فيها.
3- وأن فيها يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، فإذا قدم الحاج إلى مكة يوم الثامن فإنه يتجه إلى مِنى ليبقى بها إلى اليوم التاسع فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً بلا جمع، ويبقى بها حتى يصلي صلاة الفجر يوم التاسع من ذي الحجة، والمبيت بمنى يوم الثامن سنة من سنن الحج، ينبغي للمسلم فعلها وعدم تركها.
4- وأن فيها يوم عرفة، وهو الركن الأعظم من أركان الحج، الذي لا يتم الحج إلا به؛ فـ "الحج عرفة" كما قال المصطفى . فعلى الحاج أن يدفع من منى بعد طلوع شمس اليوم التاسع من ذي الحجة متجهًا إلى عرفة فيصلي بها الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، جمع تقديم، بأذان واحد وإقامتين، ثم يتفرغ للدعاء والتضرع إلى الله تعالى في ذلك اليوم العظيم المشهود، ويلحّ على ربه في الدعاء بخشوع وحضور قلب، ويسأل ربه من خيري الدنيا والآخرة، فيقف منكسرًا بين يدي ربه يرجو رحمته ومغفرته، ويخاف عقابه وعذابه، ويحاسب نفسه ويجدد التوبة النصوح، فهو في أعظم موقف بين يدي الله.
ويبقى الحجاج بعرفات إلى غروب الشمس والتحقق من غياب قرصها، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس واجب من واجبات الحج، من تركه ودفع قبل الغروب وجب عليه أن يرجع، فإن لم يرجع وجب عليه دم، ومن أتى عرفة بعد غروب الشمس بسبب الزحام وتعسر حركة المرور أو لأي طارئ كان فيكفيه أقل وقوف يقفه، وفي أي مكان وقف الحاج أجزأه الوقوف؛ لقوله : "وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف". لكن عليه أن يرفع عن بطن عرنة؛ لأنه ليس من عرفة.
5- وأن فيها صيام يوم عرفة، فقد سن النبي صيامه لغير الحاج، أما الحاج فعليه أن لا يصوم ذلك اليوم؛ ليتفرغ للدعاء ويتقوى على العبادة هناك. وأما غير الحاج فالمستحب له ألاَّ يترك صيام ذلك اليوم العظيم؛ لقوله : "صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضيةً ومستقبلةً".
6- وأن فيها ليلة مزدلفة، والمبيت بها واجب من واجبات الحج، وتسمى جَمْع والمشعر الحرام، فإذا وصل الحاج إليها بدأ بالصلاة قبل أن يضع رحله فيصلي المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا بأذان واحد وإقامتين. ويجب على الحاج أن يبيت بالمزدلفة إلى طلوع الفجر، ثم يؤدي صلاة الفجر فيها وينتظر حتى يسفر جدًّا، ثم يدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس مخالفة للمشركين، الذين كانوا ينتظرون طلوع الشمس ثم يدفعون من المزدلفة، فإذا وصل وادي محسر أسرع السير؛ لأنه واد تعسر فيه الفيل الذي أتي به لهدم الكعبة، وقيل: هو مكان من أمكنة العذاب، وهذه عادة النبي الإسراع في المواضع التي نزل بها عذاب الله بأعدائه كمدائن صالح وديار مدين وثمود. ومن ترك المبيت بمزدلفة وجب عليه دم؛ جبرانًا لنسكه ولا يأكل منه شيء بل يقدمه لفقراء الحرم ومساكينه، ويسن الوقوف في أي مكان منها؛ لقوله : "وقفت هاهنا، وجمع كلها موقف".
أما الضعفاء والمرضى والأطباء ومن يُحتاج إليهم، فلهم الدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل، وكذلك من كان مرافقًا لهم.
7- وأن فيها رمي جمرة العقبة وهي القريبة من مكة، فإذا وصل الحاج منى بدأ برمي جمرة العقبة، وقطع التلبية، فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ويجوز أن يلتقط الحصى من أي مكان تيسر له، ويستحب أن يرمي الجمرة من بطن الوادي فيجعل الكعبة عن يساره ومنى عن يمينه، وإن رماها من أي مكان أجزأه ذلك.
8- وأنها أفضل من الجهاد في سبيل الله؛ لقوله : "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام". يعني العشر. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء"[5].
9- ومن فضائل العشر أيضًا أن فيها يوم النحر، وفيه ذبح الهدي والأضاحي. والأضحية سنة مؤكدة فعلها رسول الله وحث على فعلها؛ لما فيها من التقرب إلى الله بإراقة الدماء، ولما فيها من سد لحاجة الفقراء والمساكين، وفيها إحياء لسنة أبينا إبراهيم ، وقد قال بعض العلماء بوجوبها مستندين لقوله : "من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا". فهي سنة مؤكدة على كل مسلم حاجًّا أو غير حاج، ذكرًا أو أنثى، ينبغي لكل قادر موسر ألاَّ يدعها؛ لأنها شعيرة عظيمة من شعائر الدين الإسلامي الحنيف، قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37].
ومن المستحب للمسلم أن يقوم بصيام هذه الأيام المباركات لفضلها وعظيم أجرها. فاغتنموا -عباد الله- هذه الأيام بالأعمال الصالحة من بر وصلة رحم، وصدقة وذكر لله تعالى، وكثرة للنوافل وقراءة القرآن بتدبر وخشوع، وكثرة الدعاء إلى الله، وأكثروا من الصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين نبيكم وقدوتكم محمد، فقد أمركم الله بذلك فقال قولاً كريمًا: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [الأحزاب: 56].