بن بيلا صانع التاريخ

أعتقد أن الثوار المصريين بجميع اطيافهم السياسية والليبرالية والمدنية والإسلامية بجميع توجهاتها الاخوانية والسلفية المتنوعة بمتشدديها ومعتدليها وصادقيها وكاذبيها, لم يعلموا بعد أن أحمد بن بيلا أول رئيس للجزائر بعد الثورة قد مات.
نعم أصبح بن بيلا في عداد الموتي وغادر دنيا المؤامرات والدسائس الي الرفيق الاعلي ليستريح قلبه وعقله كي تستقر روحه.
فالثوار المصريون الجدد مهما بلغت اعمالهم من أجل مصر, لن تصل إلي واحد في المائة مما اعطاه بن بيلا لبلاده ولثوار العالم, فكان من ضمن فئة قليلة ملهمة لشعوب العالم الثالث التي تغنت باعماله وتاريخ نضاله من أجل نصرة بلده من براثن محتل غاشم. فبن بيلا كان ثوريا, ملهما, ناضل وقاد الثورة الجزائرية إلي جانب كوكبة من المجاهدين الجزائريين واستطاعوا دحر الاستعمار الفرنسي والاستقلال في الجزائر.
من المؤكد أن كل الثوار المصريين الجدد لم ولن يتعرضوا لما واجهه بن بيلا, فقد تعرض للخيانة ممن منحهم ثقته واعتبرهم رجالاته, وأطيح به من منصبه علي يد وزير دفاعه هواري بومدين الذي اعتقله من عام1965 وحتي1980, وذلك بسبب اطماع السلطة وطمس تاريخ العظماء. فبن بيلا هو الذي انضم إلي الحركة الوطنية بداية في حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية وشارك في عمليات فدائية ضد المستعمر الفرنسي الذي اعتقله زبانيته واقتادوه إلي احد السجون الفرنسية.
وليس فقط بومدين الذي وقف ضد بن بيلا, فقد تعرض ايضا لمؤامرة من قيادات جمعية العلماء المسلمين الذين اتهموه بتغييب الإسلام عن معادلات القرار الجزائري رغم انه هو نفسه كان من أشد المؤمنين بعروبة الجزائر وانتماء بلاده للعالم الاسلامي, فقد كان مؤمنا بضرورة أن يلبس الجزائر جلدا غربيا لجسد إسلامي, وكان يرفض حكم الفقهاء لانه ليس خمينيا ولا يريد ارتداء عباءة أي شخص.
نحن نريد ثوارا مثل بن بيلا, فالزعماء الحقيقيون لا يموتون, بعدما عاشوا ثوارا وقادة واستقروا في فكر اوطانهم ومواطنيهم مؤمنين بأن مصالح بلادهم ومستقبلها هو أهم يشغل بالهم وتفكيرهم وليس لتحقيق رغبة ما لحزب أو جماعة.. ولهذا يظل بن بيلا حيا في وجدان شعبه كصانع للتاريخ, وإذا كان قد رحل عن دنيانا, فهو يسكن التاريخ مع أبطال آخرين.
نقلاً عن الأهرام