الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اليمن.. حرب بقاء أم مصالح؟


مازالت المصالح الاقتصادية والصراعات الدولية على الموارد الأساسية هى المحرك الرئيسى لمعظم الصراعات والحروب الدولية قديما وحديثا فى دنيا البشر.. إنه ميراث طويل من صراع البقاء للأقوى ما زال يجرى فى عروق البشر منذ أن كانوا يتقاتلون حول بئر ماء أو واحة شجر، نضب الماء وجف الشجر وتحول بعضه إلى حجر، ولكن بقى الصراع على أشده على الحجر وما تحت الحجر من بترول أو غاز أو معادن خلقها الله لنفع البشر فحولوها إلى أدوات لقتل بعضهم البعض بلا هوادة.
لقد كان معظمنا يعتقد أن الحروب فى العصر الحديث ستكون على النفط والماء فقط، ولكن جاءت الحروب فى منطقتنا العربية على غير ما يتوقع الجميع، فهذه الأيام يتقاتل بعض أهل اليمن مع بعضهم البعض وتحت رايات وشعارات متنوعة لكن النتيجة واحدة، قتلى وشهداء فى القبور وجرحى ومصابون يئنون فى المستشفيات والشوارع، يتامى وأرامل يئنون خلف جدران مهدمة أو خيام متهالكة فى مخيمات اللاجئين، حيث قسوة الحياة وفقر وجوع يأكلان الأجساد الممزقة والنفوس المنهكة، فى إضافة جديدة إلى مآسى العرب خلال السنوات الأخيرة، حيث لا مصلحة لأحد من العرب فى هذه المآسى الحمقاء.
فالمصالح معظمها خارجية والتحالفات كلها دولية أو إقليمية وليست محلية، فمع الانخفاض الرهيب لأسعار البترول فى العالم راحت بعض اقتصاديات الدول الكبرى فى المنطقة والعالم تترنح تحت وطأة عجز الإيرادات من بيع النفط، فروسيا وإيران على سبيل المثال لا الحصر دخلتا فى حرب كلامية مفتوحة مع السعودية بسبب انخفاض الأسعار، مما زاد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية داخل روسيا فى ظل حصار غربى عليها بسبب دورها فى الملف الأوكرانى، ودعمها للانفصاليين من أصول روسية فى أوكرانيا.
ومن الحرب الكلامية عبر وسائل الإعلام إلى الحرب الفعلية عبر الطائرات والبوارج الحربية فى اليمن وجدت السعودية نفسها طرفا فى صراع يمنى - يمنى لا أحد يعلم متى سينتهى، فمن السهل أن تشعل حربا على أساس شبه طائفى داخل حدود دولة ما، ولكن من الصعب جدا أن تتحكم فى حدود اتساع رقعة النار، فالتركيبة الطائفية فى منطقة الجزيرة العربية أرض مخضبة بوقود طائفى جاهز للإشتعال فى أى وقت.
ربما تكون السعودية أجبرت على للدخول فى أتون هذه الحرب فى محاولة منها لإعادة التوازن لوضع إقليمى كان قائما على توزيع طائفى فى المنطقة شبه متفق عليه دوليا رغم هشاشته، فهى فى موقف صعب، حيث لديها مشاكلها ذات البعد شبه الطائفى داخل حدودها فى المنطقة الشرقية فى القطيف وغيرها أو خارج حدودها الشرقية حيث قواتها المتواجدة فى البحرين ذات الأغلبية الشيعية، ناهيك عن حدودها الشمالية مع العراق الملتهب منذ فترة.
شرارة الحرب فى المنطقة اشتعلت أما الحرب نفسها فلم تبدأ بعد، فما يحدث هو كرمى النبال بين المتحاربين قبل بدء الحرب فى الحروب القبلية قديما، ولكن بأسلوب القرن الواحد والعشرين، حيث حلت الصواريخ والطائرات محل النبال والرماح، وحلت الدبابات والمدرعات محل الخيل والجمال، أما الحرب الحقيقية على الأرض حيث الصدام المباشر، فهى فى الطريق.
وقد باتت اليمن مرشحة بقوة لتكون أرض صراع دولى جديد ومرير وحروب مباشرة وأخرى بالوكالة تجرى فوق جبالها وبين دروبها ووديانها مثلما هو الحال فى سوريا أو العراق، فالأساطيل الروسية والصينية والأمريكية حاملة قواتها وعتادها فى طريقها لباب المندب تحت عنوان براق، وهو تأمين الملاحة فى باب المندب وحماية التجارة الدولية.
أما الواقع فهو أن لكل أسطول بابه الخاص به، ولكل دولة مصالحها فى اشتعال الحرب أو أطفاء نيرانها أو حتى محاولة منعها من الخروج خارج حدود اليمن، قد تلتقى مصالح إيران وروسيا فى عقاب السعودية على دورها فى انخفاض أسعار النفط بجر جيشها إلى حرب ضروس فى صحراء جرداء لا حياة فيها ولا ماء، حيث نار الحرب تأكل فى طريقها الأخضر واليابس على حد سواء، ولكن على الجانب الآخر لن تقف الولايات المتحدة فى موقف المتفرج على حليفها السعودى إذا ما حدث تدخل مباشر من كلتا الدولتين فى الحرب اليمينة بصورة مباشرة أو غير مباشرة تغير من مجرياتها.
فالحروب بين الدول الأجنبية الكبرى فوق أى أرض عربية هى حروب ضحاياها عادة عرب، وخسائرها دائما عربية ويدفع تكاليفها دائما العرب، فلا أحد غير العرب يموت ولا أحد غير العرب يتم تشريده وتهجيره ولا أحد غير العرب يدفع تكاليف قتل وتدمير العرب، فنحن كالعادة الجانى والمجنى عليه معا.