تعرف على آراء العلماء في موضع «مقام إبراهيم»

عرف مقام إبراهيم بأنه الحجر الأثري الذي قام عليه النبي إبراهيم عند بناء الكعبة المشرفة وشق عليه الحجارة فكان يقوم عليه ويبني، وأذن سيدنا إبراهيم من عليه بالحج، ويظهر على هذا الحجر أثر قدميه عليه الصلاة والسلام.
واختلف أهل التفسير في موضع مقام إبراهيم وما يقصد به، وذهبوا إلى عدة أقاويل، القول الأول: إنه موضع الحجر الذي قام عليه النبي إبراهيم، وهؤلاء هؤلاء ذكروا له وجهين:
«الأول» أنه هو الحجر الذي كانت زوجة إسماعيل وضعته تحت قدم النبي إبراهيم حين غسلت رأسه فوضع النبي إبراهيم رجله عليه وهو راكب فغسلت أحد شقي رأسه ثم رفعته من تحته وقد غاصت رجله في الحجر فوضعته تحت الرجل الأخرى فغاصت رجله أيضًا فيه فجعله الله تعالى من معجزاته وهذا قول الحسن وقتادة والربيع بن أنس.
و«الثاني» ما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي إبراهيم كان يبني البيت وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان : «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ» [البقرة : 127] فلما ارتفع البنيان وضعف إبراهيم عليه الصلاة والسلام عن وضع الحجارة قام على حجر وهو مقام النبي إبراهيم.
أما أصحاب القول الثاني فرأوا: أن مقام إبراهيم الحرم كله، (وهو قول الإمام مجاهد). أما القول الثالث فرأوا: أنه عرفة والمزدلفة والجمار (وهو قول عطاء). وأصحاب الرأي القول الرابع قالوا: الحج كله مقام إبراهيم، (وهو قول عبد الله بن عباس).
واتفق المحققون على أن القول الأول هو الأصح، ويدل عليه عدة وجوه: ما روى جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - لما فرغ من الطواف أتى المقام، وتلا قوله - تعالى -: «وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى»، فقراءة هذه اللفظة عند ذلك الموضع تدل على أن المراد من هذه اللفظة هو ذلك الموضع ظاهر.
وأن هذا الاسم في العرف مختص بذلك الموضع، والدليل عليه أن سائلاً لو سأل المكي بمكة عن مقام إبراهيم لم يجبه، ولم يفهم منه إلا هذا الموضع.
وبما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بالمقام ومعه عمر فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس هذا مقام أبينا إبراهيم، قال: بلى، قال: أفلا نتخذه مصلى، قال: لم أومر بذلك، فلم تغب الشمس من يومهم حتى نزلت الآية.
وأن الحجر صار تحت قدميه في رطوبة الطين حتى غاصت فيه رجلا النبي إبراهيم ويعد فكان ذلك إحدى معجزات إبراهيم وهو أولى من اختصاص غيره به، فكان إطلاق هذا الاسم عليه أولى.
وأنه - تعالى - قال: ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى﴾، وليس للصلاة تعلق بالحرم، ولا بسائر المواضع إلا بهذا الموضع، فوجب أن يكون مقام إبراهيم هو هذا الموضع.
وأن مقام إبراهيم هو موضع قيامه، وثبت بالأخبار أنه قام على هذا الحجر عند المغتسل، ولم يثبت قيامه على غيره، فحمل هذا اللفظ أعني مقام النبي إبراهيم - على الحجر يكون أولى.
وقال أبو بكر القفال -أحد أعلام مذهب الإمام الشافعي- في تفسيره مقام إبراهيم بالحجر لقوله تعالى -: «وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» على مجاز قول الرجل: اتخذت من فلان صديقاً، وقد أعطاني الله من فلان أخاً صالحاً، ووهب الله لي منك ولياً مشفقاً، وإنما تدخل (من) لبيان المتخذ الموصوف وتميزه في ذلك المعنى من غيره.