جدل في الأوساط السياسية الفرنسية حول الاستراتيجية تجاه الأسد وإرسال قوات إلى سوريا

تشهد فرنسا جدلا واسعا في مختلف الأوساط السياسية حول الحاجة للتعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي ، حيث ترى الحكومة الفرنسية استحالة التعاطي مع الأسد باعتباره جزءا من المشكلة في سوريا ، فيما يرى سياسيون آخرون - خاصة من اليمين - أن اجتثاث الإرهاب الذي يقتل و يرتكب جرائم بشعة - تستهدف الأقليات بشكل خاص - يستوجب إعادة النظر في سياسة فرنسا تجاه النظام السوري الحالي .
ففي جلسة البرلمان - التي انعقدت أمس الثلاثاء للنقاش حول قرار فرنسا توسيع غاراتها الجوية ضد داعش لتشمل سوريا إضافة إلى العراق - أكد رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس أنه لا مجال لأي تسويات أو ترتيبات مع الأسد، معتبرا أن التوافق أو التصالح معه، كما يقترح البعض، سيكون خطأ أخلاقيا قبل أي شيء آخر،على حد قوله .
وتابع "لن نقوم بأي عمل من شأنه تقوية النظام ، بل من الضروري السعي للتوصل إلى اتفاق يطوي بشكل نهائي صفحة بشار الأسد باعتباره جزءا كبيرا من المشكلة ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون حلا"، و في المقابل، دعا ممثلون عن الحزب اليميني "الجمهوريون" إلى استئناف الحوار مع الأسد باعتباره أقل وحشية من داعش.
واعتبر رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسوا فيون - المنتمي لحزب "الجمهوريون"- أن روسيا و إيران بإمكانهما إطلاق عملية عسكرية واسعة النطاق تهزم بها داعش، داعيا إلى تأجيل النقاش حول مستقبل النظام السوري و تقديم الدعم له لتفادي انهياره .
كما اعتبر النائب اليميني جاك ميار أن تدفق المهاجرين إلى أوروبا لا يرجع فقط إلى الحرب الدائرة في سوريا ، و لكن أيضا إلى الخطأ في تحديد العدو و هو داعش ، داعيا إلى ترك حكومة دمشق التعامل مع الإرهابيين دون التسبب في أوضاع يصعب السيطرة عليها ، و تابع " لم تكن دمشق هي التي قصفت مدينة تدمر الأثرية ، و لم تكن هي أيضا التي ارتكبت عمليات إعدام للأقليات الدينية"، مؤكدا أن مسيحي الشرق و الكثير من السنة يدعمون نظام الأسد .
يشار إلى أن زيارة أربعة برلمانيين فرنسيين ، من بينهم النائب جاك ميار، إلى سوريا بمبادرة شخصية في مطلع العام الجاري ولقاء ثلاثة منهم بشار الأسد أثارت استياء الحكومة الفرنسية ، حيث كانت الأولى منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين باريس ودمشق في مايو 2012.
وعلى جانب آخر، تباينت الآراء بشأن ضرورة تدخل فرنسا البري في سوريا ، ففي الوقت الذي استبعد فيه مانويل فالس مجددا أمام البرلمان إرسال قوات برية فرنسية إلى الأراضي السورية ، يشير استطلاع للرأي أجراه معهد "إيفوب" للدراسات مؤخرا أن %56 من الفرنسيين يساندون مشاركة فرنسا في تدخل عسكري بري في سوريا ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وكشف الاستطلاع أن نسبة التأييد ترتفع عند أنصار الحزب اليميني "الجمهوريون" لتسجل (%64) و تقل إلى %59 عند أنصار الحزب الاشتراكي (اليسار) و إلى %56 بالنسبة لحزب اليمين المتطرف "الجبهة الوطنية" .
و اعتبر النائب الاشتراكي فيليب نوش أن إرسال قوات برية إلى سوريا أمر غير واقعي متسائلا "من اليوم يمكنه التصديق أن فرنسا وحدها ببضعة آلاف من الجنود يمكنها حل الوضع في سوريا؟"، مؤيدا في الوقت ذاته قرار توسيع عملية "شامال" الفرنسية في العراق لتشمل أيضا سوريا ، و أكد أنه حيال التهديد المباشر للأمن القومي لفرنسا لا يوجد خيار سوى استخدام حق الدفاع عن النفس الذي يكفله ميثاق الأمم المتحدة .
من جانبه، قال النائب فرانسوا دو روجي - المنتمي لأحزاب البيئة متحدثا عن التدخل البري - أنه لا توجد أي دولة مستعدة لتحمل التكلفة البشرية و السياسية لذلك، داعيا إلى التفاوض على حل سياسي من خلال عقد مؤتمر دولي حول السلام في الشرق الأوسط بمشاركة روسيا و إيران .
كما اعتبر فرانسوا فيون أن الضربات الجوية لن تكون كافية، داعيا إلى تشكيل تحالف واسع يضم دول الجوار ، للقيام بعمليات عسكرية بالأراضي السورية ،و في المقابل، ربط الرئيس السابق نيكولا ساركوزي تدخل فرنسا البري في سوريا بضرورة توفير دعم عسكري من الدول المجاورة .
وأكد برونو لومير القيادي بحزب "الجمهوريون" أنه على فرنسا المبادرة بتشكيل ائتلاف عسكري دولي للتدخل البري في سوريا و ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة ، كما دعا النائب اليميني إيريك سيوتي إلى ضرورة استخدام كافة الوسائل و إرسال قوات برية فرنسية عند الضرورة، فيما اعتبر كريستان جاكوب (الجمهوريون) أن التدخل الجوي فقط و دون إرسال قوات برية و دون تفويض دولي و تعبئة من القوى الإقليمية الكبرى لن يحقق تقدما استراتيجيا على المدى الطويل.