كن فيكون

فى البدء خلق الله السماوات والأرض وكانت الأرض هلامية وخاوية، والظلام يطفو فوق الأعماق وروح الله ترفرف فوق المياه. ثم قال الرب: ليكن نور فكان النور.
واستمر الرب على هذا الحال يخلق ما يريد خلقه من الليل والنهار واليابس والمياه والخضروات والفواكه والكائنات الحية. وأخيرا خلق الله الإنسان وقال: ليكن الإنسان على صورتنا وليكن حاكماً للأرض.
هذا موجز مبتور لما جاء فى سفر التكوين، وهو أحد أسفار العهد القديم، وهو موجز مبتور لأن الغاية منه بيان أن عملية الخلق كلها تمت لأن الله قال: كن فيكون. والذى دفعنى إلى إعادة قراءة عملية الخلق مردود إلى ما جاء فى حكم المحكمة الدستورية من أن مجلس الشعب فى حكم المنعدم وجوداً، أى كأنه لم يكن. وإذا برئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى يصدر قراراً بعودة مجلس الشعب المنعدم وجوداً.
والسؤال إذن:
ما مغزى قرار رئيس الجمهورية؟
القرار فى عمقه يقول ما قاله الرب وهو يخلق الكون من العدم «كن فيكون». وهكذا قال رئيس الجمهورية لمجلس الشعب المنعدم: كن فيكون. ولأن الذهنية واحدة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب فقد استجاب الأخير لأمر الأول وذهب إلى مجلس الشعب ومعه أعضاء لهم نفس الذهنية، وهى ذهنية الإخوان المسلمين.
والسؤال إذن:
ما طبيعة هذه الذهنية؟
إنها ذهنية مدربة على أنها المسؤولة عن الحكم بشرع الله وليس بشرع الإنسان.
وشرع الله مطلق وشرع الإنسان نسبى. ومعنى ذلك أن الإخوان يريدون حكم مصر بعبارة «كن فيكون»، ومن هذه الزاوية يمكن القول بأن المادة الثانية سواء نصت على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع أو أضافت لفظ «مبادئ» أو لفظ «أحكام» هى فى حقيقتها لا تخرج عن كونها شريعة الله. وعندما يأتى حاكم مصر من الإخوان فهو يأتى وفى ذهنه عبارة «كن فيكون». ومهما قيل من عبارات وهمية مثل القول بأنه أتى بفضل «صندوق الانتخاب» أو أتى بما يسمونه «الديمقراطية» فهو فى الحقيقة أتى من الله ومن ثمة فهو ملزم بعبارة «كن فيكون». ولهذا فإن رئيس مصر الإخوانى عندما انتخب تم انتخابه فى إطار هذه العبارة، وكان هو على وعى بتلك العبارة، ومن ثم رفض من غير تردد حكم المحكمة الدستورية بأن مجلس الشعب منعدم الوجود، لأنه إذا كان منعدم الوجود ففى إمكانه كرئيس للإخوان المسلمين وليس كرئيس مصر أن يقول عبارته الحاسمة «كن فيكون»، ومن بعد ذلك ذهب رئيس مجلس الشعب ومعه الأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين إلى مبنى مجلس الشعب وهو مبنى منعدم الوجود ولكنهم كانوا مدفوعين بعبارة «كن فيكون».
واللافت للانتباه، فى رأيى، أن ما يتصوره الإخوان من ضرورة كون الحاكم ملتزماً بتطبيق شرع الله مردود إلى تأثير الحضارة الفرعونية، فقد كانت ثمة هوية بين الملك والإله.
كيف؟
تأثر المصريون بظاهرتين من أهم الظواهر الطبيعية وهما:
الشمس والليل. وكان يقابلهما إلهان وهما إله الشمس (رع) والخضرة أو النيل (أوزير)، وظل التنافس مستمراً حتى أصبح إله الشمس هو الحاكم الأعلى المتحكم فى المصريين أجمعين. وأصبح فرعون هو خليفة إله الشمس، بل أصبح فى حالة هوية معه، ومن هنا فإنه كان يذكر اسم فرعون عندما كان يذكر اسم «رع»، ولذلك كان من الضرورى أن يخلق الإله الفراعنة، ومن هنا أيضاً لم تكن لدى المصريين الجرأة على ذكر اسمه، بل لم يكن لديهم تصريح بذكر اسمه، وإنما الذى كان مصرحا بذكر اسمه هو «القصر العظيم» الذى كان يقيم فيه الملك وهو الذى معناه بالهيروغليفية «فرعون».
وتأسيسا على ذلك كله يمكن القول بأن الإخوان المسلمين امتداد للفرعونية، ومن ثم فإذا أردنا تحرير عقل الإخوان المسلمين بوجه خاص بل تحرير عقل المصريين بوجه عام فعلينا بتحرير العقل مما أسميه «الخاصية الفرعونية» وهى خاصية لم تكن موضع نقد منذ سبعة آلاف سنة.
نقلا عن المصري اليوم