الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصير اتفاق "فيينا" النووي


ليس لدي شك في أن إيران تراقب بدقة شديدة الساعات والأيام القليلة المتبقية على ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كي تتعرف على موقف الرئيس الجديد دونالد ترامب حيال اتفاق لوزان النووي الموقع بين إيران ومجموعة "5+1" في أبريل 2015.

التقارير الصحفية الأمريكية تتحدث عن إجراءات جديدة يدرس البيت الأبيض تطبيقها لتحصين الاتفاق النووي مع إيران، حسب ما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين في إدارة الرئيس أوباما مؤخرًا، واللافت أن التفكير في هذه الخطوة جاء على خلفية مارشح من تعيينات أولية في إدارة السيد الجديد للبيت الأبيض، حيث تتسم معظم الترشيحات حتى الآن بغلبة ذوي المواقف المتشددة حيال إيران، ولاسيما الجنرال مايك فلين، المرشح لمنصب مستشار الرئيس الأمريكي الجديد للأمن القومي، والنائب الجمهوري مايك بومبيو المرشح لإدارة وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي ايه) وهما من الشخصيات المتشددة في التعامل مع الملف الإيراني.

من بين الخيارات التي تدرس إدارة الرئيس أوباما تنفيذها لحماية الاتفاق الموقع مع إيران، تطبيق بعض الاجراءات التي تضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ الفعلي، وتضع الإدارة المقبلة في صدام مع أطراف أمريكية قوية ذات مصلحة في المضي بتنفيذه، ومن ذلك منح تراخيص لمزيد من الشركات الأمريكية لدخول السوق الايرانية، ومن ذك أيضًا رفع المزيد من العقوبات عن إيران، وهي إجراءات قد ينظر إليها الرئيس ترامب باعتبارها عراقيل على طريق سياسته المحتملة حيال إيران، لذا فإن هذه الخطوات قد لا تحصن الاتفاق أو تحول دون أي إجراءات مضادة من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة، ما دفع فريق الرئيس أوباما إلى دراسة التواصل مع معاوني الرئيس ترامب لاقناعهم بالعواقب الوخيمة الناجمة عن نقض الاتفاق من الجانب الأمريكي، ولكن هذا الأمر يتوقف على وجود معلومات دقيقة بيد إدارة الرئيس اوباما لاقناع فريق الرئيس ترامب بالتداعيات السلبية المحتملة على المصالح الاستراتيجية الأمريكية في حال انهيار هذا الاتفاق.

المؤكد أن إيران تتحسب لهذه اللحظة جيدًا، وتدرك أيضًا أن الرئيس ترامب لن يلجأ إلى انسحاب مباشر من الاتفاق لاسيما في ظل الدور الايراني النافذ في ملفات شرق أوسطية عدة ذات اهمية بالغة بالنسبة للولايات المتحدة، وبالتالي فإن البديل قد يكون وجود احتمالية ما لتصعيد عسكري، وتلك مسألة مستبعدة، على الأقل نظريًا، من وجهة نظر الاستراتيجيين الأمريكيين.

التقديرات الراجحة في الدوائر البحثية الأمريكية تشير إلى مناكفات محتملة وشبه مؤكدة بين إدارة ترامب وإيران، ويعتقد بعض الباحثين أن انهيار الاتفاق النووي مع إيران لن يكون على الأرجح بسبب انسحاب إدارة ترامب بشكل مباشر من هذا الاتفاق، ولكن لأسباب أخرى مثل محاولة فتح الباب التفاوض حول بعض بنود الاتفاق، أو توسيع نطاق العقوبات الأمريكية ضد طهران في مجالات لا تندرج ضمن بنود هذا الاتفاق، بما يعني بشكل آخر التفاف أمريكي محتمل على هذا الاتفاق، والسعي لتقويضه بشكل غير مباشر من خلال العمل على تآكله ونسف أسسه والايقاع بإيران في فلك الحصار والعقوبات مجددًا.

هذه الاحتمالية لعودة الشد والجذب بين واشنطن وطهران تفرض بدورها تساؤلات مشروعة حول موقف الطرف الايراني من سياسات إدارة الرئيس ترامب حيالها، وماهو موقف إيران في حال قررت واشنطن تبني سياسة أكثر تشددًا وهجومية حيالها، لاسيما في ما يتعلق بصادرات النفط الايرانية واحتمالية حظرها مجددًا.

بالتأكيد سيكون لمثل هذه السيناريوهات المحتملة وقعها على ملالي إيران، الذين يتوقع أن يحاولوا في البداية احتواء اندفاع الإدارة الأمريكية الجديدة، عن طريق المراوحة بين الشد والجذب في المواقف الايرانية وتوزيع الأدوار في التصريحات والمواقف السياسية، وهي اللعبة التي يجيدها الملالي جيدًا، ولكنها لن تفلح على الأرجح مع إدارة مستنفرة جاءت مجملة بأحلام كثيرة وتدرك حجم الرهانات على مواقفها في مختلف الملفات والقضايا من جانب الداعمين لها داخليًا.

هناك تأثيرات لهذا السجال المتوقع على الدول العربية والخليجية، بحكم تداخل المتغير الايراني في كثير من ملفات المنطقة، بما يثير تساؤلات حول تأثير التغيرات المتوقعة في حسابات العلاقات الايرانية ـ الأمريكية على الاستراتيجية الايرانية حيال أزمات ساخنة مثل سوريا واليمن والعراق وغيرها. ثم كيف يتوقع ان تتأثر العلاقات الخليجية ـ الأمريكية بالتغيرات المحتملة في مسار العلاقات الايرانية ـ الأمريكية، وكيف ستستجيب دول مجلس التعاون لأي تحولات في مواقف إلى أي مدى يمكنها الاستفادة منها في ضمان مصالحها الاستراتيجية؟

ما يجب التأكيد عليه أن اتفاق فيينا النووي هو أحد تطبيقات استراتيجية إدارة أوباما حيال إيران، وبالتالي فإن الأساس هو الاستراتيجية وليس تطبيقاتها، ومن المهم بالتالي التعرف إلى معالم استراتيجية إدارة ترامب حيال طهران، كي يمكن استشراف مواقفها حيال نظام الملالي المثير للقلق والداعم للارهاب الاقليمي والدولي، وهل تتجه الإدارة الجديدة إلى السيطرة على طموحات إيران التوسعية ولجمها بشتى السبل، أم بغض النظر عن هذه الطموحات والتوصل إلى تفاهمات استراتيجية حول حدود المصالح والمنافع بين الطرفين؟

للك ماسبق، علينا أن ننتظر حتى تستهل إدارة ترامب خطواتها الأولى في البيت الأبيض وتبدأ فترة "جس النبض" بين الولايات المتحدة في عهد ترامب وملالي إيران، وهناك الكثير مما يتوقع له أن يحدث ولكن حدود المتوقع وتأثيراته تبقى قيد الخطوات الفعلية على أرض الواقع، وعلى دول مجلس التعاون أن تدرس الموقف بدقة وتضع السيناريوهات والبدائل المدروسة من دون استبعاد ما يعرف في البحث العلمي بالسيناريو الكارثي أو "البجعة السوداء"، لتفادي المفاجآت في مسار علاقات معقدة ومتشابكة بدرجة عالية.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط