عمرو على يكتب : مرسي - لا تشرب هذا الدواء

في كتابه الإعتراف " ضمير قرصان إقتصاد " يرصد الخبير
الإقتصادي جون بركنز العالم السري للمؤسسات المالية الدولية وكيفية
استغلالها للدول الفقيرة بصفته كان واحدا من الخبراء المحترفين الذي كانت
مهمتهم أن يسلبوا ملايين الدولارات بالغش والتدليس من دول كثيرة في سائر
أنحاء العالم عبر اصطناع تقارير مالية وتزوير انتخابات ورشوة وإبتزاز
لتقديم قروض عولمية للدول ثم ضمان تحويلها الى خزائن الشركات الكبرى وجيوب
حفنة من العائلات الثرية والتي تسيطر على الموارد الطبيعية للكرة الأرضية
معترفا بإنه عقد " عقدا مع الشيطان " ليسهل نقديم القروض لمختلف دول العالم
شرقا وغربا لصالح الكوربورقراطية الامريكية والتي تستغل منظمات عالمية مثل
صندوق النقد الدولى وهيئة المعونة الامريكية وغيرها من مؤسسات المساعدات
الدولية في تنفيذ أغراضها .
المهمة كانت لقراصنة
الاقتصاد من نوعية بيركنز هي إعداد الدراسات التي بناءا عليها توافق
المنظمات المالية على تقديم قروض غرضها الاساسي تطوير البنية الاساسية
وبناء محطات توليد الكهرباء والطرق والموانئ والمطارات والمدن الصناعية ،
بشروط مشاركة شركات أمريكية في تنفيذ والاشراف على هذه المشروعات ، مؤكدا
أن مقياس نجاح الخبير الاقتصادي يتناسب طرديا مع حجم القرض بحيث يجبر
المدين على التعثر بعد بضع سنوات وعندئذ تفرض شروط الدائن التي تتنوع مثل
الموافقة على تصويت ما في الامم المتحدة او السيطرة على موارد معينة في
البلد المدين أو قبول تواجد عسكري به ، وهم مدربين على استخدام الطابع
المخادع للارقام والمعدلات الاقتصادية فعلى سبيل المثال لا يدل نمو الناتج
الاجمالي القومي في أي بلد بصفة حقيقية عن التقدم الاقتصادي بها فقد يدل
بصفة اساسية على استفادة أقلية من المواطنين " النخبة " على حساب الأغلبية
فتظل معدلات النمو المرتفعة خطا بيانيا فوقيا لأغنياء المجتمع دون فقرائه
وعلى هذا النسق قد ترفض مؤسسات الإقراض الدولية الموافقة على قرض قليل
القيمة فيما توافق فورا على أضعاف أضعافه لتحقيق مأربها لإن عبء القروض
الضخمة بعد التقارير المزيفة عن استطاعة تلك الدول واقتصادياتها في تسديده
يجعلها أكثر عرضة للوقوع تحت براثن الشروط التالية للمؤسسات المالية
العالمية ، ويدلل بيركنز على ذلك بأن مديونية العالم الثالث وصلت الى 2.5
تريليون دولار وأن خدمة هذه الديون بلغت 375 مليار دولار سنويا في عام 2004
وهو ما يفوق كل ما تنفقه كل دول العالم الثالث على الصحة والتعليم ويمثل
وياللعجب 20 ضعفا لما تقدمه سنويا الدول المتقدمة من مساعدات خارجية ؟؟ ولا
يخجل أن يعترف في صحوة ضمير الى أنه بهذا الأسلوب المدروس في منح القروض
دفعوا دولة الاكوادور نحو الافلاس واستطاعة القرض تلو الأخر في رفع الدين
العام من 240 مليون دولار الى 15 مليار دولار لتخصص الاكوادور تحت عبء
الديون 50% من ميوانتها لسداد الديون ويرتفع حد الفقر الى 70% وتزداد نسبة
البطالة من 15% الي 70% ، ويصبح الحل الوحيد أمامها مدفوعة برغبة المؤسسات
الأمريكية لشراء ديونها ببيع غاباتها الى شركات البترول الامريكية وهو
الهدف الرئيسي في اقراض الاكوادور بعد اكتشاف تلك الشركات في ابحاثها ان
مخزون غابات الامازون من النفط يحتوى على احتياطي يعتقد انه منافس حقيقي
للشرق الاوسط لتصبح اليوم كل مائة دولار عائد خام النفط من ابار الاكوادور
تحصل منه الشركات الامريكية على 75 دولار و25 دولار للاكوادور تنص اتفاقية
القروض المجحفة على استقطاع 75% من نصيبها لسداد القروض التي لن تنتهي أبدا
ويتبقى فقط للميزانية الحكومية اقل من 2.5 دولار للبرامج الذي تستهدف
الفقراء ؟؟ وحتى عندما قام خايمي رولدوس بحملته الانتخابية عام 1978 ضد
الاستغلال المذل لموارد الاكوادور لصالح القروض وفوائدها تحت شعار "
السياسات البترولية " التي تضمن للبلاد الاستفادة الكاملة لثرواتها وهو ما
زكاه للفوز بمنصب الرئاسة كأول رئيس ديمقراطي للبلاد في وجود كارتر المسالم
الذي سمحت سياسته بمزيد من التحركات القومية والوطنية في معظم الدول دون
تحرك احترازي من رئيس جمهورية أعمال العالم " امريكا " قبل أن يأتي
الكاوبوي رونالد ريجان في نوفمبر 1980 ليعيد الاعتماد على سياسة الاقتصاد
الحاكم على القرارات السياسية ويقف امام قانون الهيدروكربون الجديد المقدم
من ادارة رولدوس للمجلس التشريعي الاكوادوري والذي كان يعني تنفيذه اعادة
تشكيل علاقة الدولة بشركات البترول وتأثيره الممتد الى الكثير من دول
امريكا اللاتينية ومن بعده العالم فما كان من قراصنة الاقتصاد الا الانتقال
للخطوة التالية وهو تسليم " الحالة " الى ثعالب المخابرات التي دبرت حادث
اغتيال للرئيس خايمي في تحطم طائرته الرئاسية مايو 1981 وسهلت وصول رئيس
جديد للبلاد هو اوزفالندا اوتادو الذي " نعاون " مع مؤسسات الاقراض الدولية
واعطى لشركات البترول مميزات اضافية في خليج جواياكيل وحوض الأمازون .
نفس
السيناريو طبقته الالة الاقتصادية العالمية في جواتيمالا وبنما الاولى
لاستغلال تام لمزارع وحقولها بالاتفاق مع شركة " يونايتد فروت " الامريكية
والثانية من اجل دوام استغلال قناة بنما الاستراتيجية وانتهت الاولى
بإنقلاب على حكومة أربنز من قبل ال" سي . أي . إيه " وتنصيب اليميني
المتطرف " كاروس أرماس " وفي الثانية تكفل تحطم طائرة أخرى في إغتيال " عمر
توريخوس " مناضل بنما التاريخي ، وتكررت خطة الانقلاب في فنزويلا قبل أن
يعود " شافيز " بعد 72 ساعة فقط من الإنقلاب العسكري المدبر أمريكيا عليه ،
واستطاعة الولايات المتحدة الامريكية عبر المنظمة المشتركة للشركات
الأمريكية الكبرى والتي تشكل عصب اقتصاد الولايات المتحدة أن تحصل
بالاقتصاد على ما تشاء وبدون تحريك أساطيلها وقواتها لعواصم العالم عبر منح
القروض للدول المستهدفة من جيش صغير مكونة طليعته من قراصنة للاقتصاد يأتي
في ركابها مؤسسات الإقراض الدولية وبعض عشرات من فرق المخابرات القادرة
على إرتكاب الإغتيالات السياسية وتغير الحكومات والذي أرسى لهذا المبدأ
العولمي كان بطبيعة الحال الرئيس الامريكي " نيكسون " الذي قام برفع غطاء
الذهب عن الدولار ، لتستطيع أمريكا طبع أي عدد من الدولارات بدون غطاء من
الذهب مما أدى للتوسع العشوائي في الاقراض بالعملة العالمية مع اعادة
استجلابها فورا بالشروط التي وضعتها مما أدى الى نمو عشوائي للاقتصاد
الدولى وعدم إستطاعة الدول المقترضة رد أصول القرض أو أعبائه وهو ما تريده
أمريكا بالطبع لتحقيق أغراضها السياسية والاقتصادية ، وهو ما تنبه له
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في شروط تمويل بناء السد العالي ولخصه في
خطابه الشهيرفي عيد الثورة الرابع بالاسكندرية 26-7-1956 " نضطر
ان احنا نخضع ونستسلم ونقبل شروط البنك الدولى انه يبعت واحد يقعد مطرح
وزير المالية، ويبعت واحد يقعد مطرح وزير التجارة، ويبعت واحد يقعد مطرحى،
واحنا نبقى قاعدين فى هذه البلد ما نعملش حاجة إلا بعد ما ناخد منهم
التعليمات وناخد منهم الأوامر " فاوض عبد الناصر
للحصول على تمويل للسد من البنك الدولي تضمّن مساهمةً كبيرةً من الولايات
المتحدة التي دعمت المشروع في البداية كوسيلة لمواجهة مارأت أنه نفوذ
سوفييتي في المنطقة. ومع ذلك، أصيب وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس
بخيبة الأمل بسبب اعتراف عبد الناصر بالصين الشيوعية ومعارضته حلف بغداد،
فردّت الولايات المتحدة في نهاية المطاف بسحب الصفقة. على أثر ذلك، ونظراً
إلى الإحباط الذي أصاب البريطانيين، أسرع عبد الناصر في الإعلان بأن مصر
ستؤمّم قناة السويس مشيراً إلى أنه سيدفع تكاليف بناء السد العالي من
الأرباح المتأتية من تشغيل القناة مبديا في خطابه السابق شروط سياسية
واقتصادية من البنك الدولي والولايات المتحدة معجزة للادارة المصرية وفي
هذا السياق أيضا نتذكر موقف التحالف الدولي في حرب الخليج الأولى بقيادة
الولايات المتحدة ضد العراق بعد غزوها للكويت ومشاركة مصر بعد الغاء جزء
كبير من ديون مصرواعادة جدولة ديونها في نادي باريس وهو تطبيق صريح لنظرية
إستغلال الاقتصاد والقروض وأعبائه في الحصول على مكاسب سياسية .
تعود
الموجة للشاطئ من جديد هذه الأيام بعد أنباء القرض الملياري لمصر والذي
سعت له حكومة قنديل بعد رفض مجلس الشعب في مايو الماضي قرض عاجل ب300 مليون
دولار لعلاج شبكة الصرف الصحي المتهالك لاسباب قيلت أنها " شرعية " وهو
ماليس محور حديثنا الأن ، فالقروض على ما يبدوا ستظل دواءا عسيرا
لاقتصاديات الدول النامية ولكن الذي نؤكد عليه قبل شرب هذا الدواء قراءة
الورقة المصاحبة لجرعاته وأثاره الجانبية ، ولن نتسائل الأن عن موارد مشروع
النهضة الذي خرج ولم يعد حتى الأن – عل المانع خير – بينما نوصى الدكتور
مرسي ووزيره الأول هشام قنديل أن يعاد النظر في شروط القرض والموارد التي
سيسدد بها وأولويات توجيهه اليها ونحن نعلم أن أوائل أثارة الجانبية ستكون
سياسة متشددة للانفاق الحكومي – المفتوح على البحري – وقرارات عاجلة وقاسية
برفع تدريجي عن دعم بعض السلع الاستراتيجية سيكون أولها منتجات البترول
التي تحظى سنويا بأكثر من 90 مليار من الموازنة مما سيؤدي الى ارتفاع متوقع
وقريب في اسعار البنزين وما يتتبعه ذلك من ارتفاع موازي لأغلب أسعار
المواد الغذائية وأسعار النقل مما سيترك أثر حقيقي على المواطن المكبل سلفا
بإرتفاعات سابقة في معظم إحتياجاته الأساسية ، الخوف من إنتقال موجة
القرارات الإقتصادية اللازمة والمؤلمة لحزمة أخرى من القرارات السيادية أو
السياسية كما تتناول وسائل الاعلام الغربية على تقديم تنازلات مصرية في
مسألة ضرب المنشأت النووية الإيرانية أو حتى غض الطرف عن التحركات
الامريكية والاسرائيلية نحو هذا الهدف كتطبيق للمبدأ العالمي " دعه يفعل –
دعه يمر " ، فإن كان لا بد من شرب الدواء فلا بد للطبيب أن يحدد جرعاته
ويقيم المريض بالطبع قدرته على التحمل حتى التعافي والا فإن الرسالة التي
يجب أن نرسلها للقاطن في قصر الاتحادية " سيدي – لا تشرب هذا الدواء ،
فالقرض فيه سم قاتل " .