قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

قبل أن تُقلع طائرة الأطباء


خاب ظن من يعتقد أن مهنة «الطب» تجارة مربحة تُدّر الأموال لصاحبها أو «بيزنس» يمكن للقائم عليه أن يُنافس أهل كاره، قبل أن تكون رسالة سامية يؤديها صاحبها بكل ضمير ويُقّدم فيها كل ما يستطيع من أجل تخفيف آلام الآخرين .. وخانه تفكيره من يظن أن أمراض البشر ستكون يومًا مصدرًا لسعادته أو تجعله في وقت ما من أصحاب العقارات الشاهقة والسيارات الفارهة.. وخذلته توقعاته من يضع في حُسبانه أن المعيشة في الخارج حياة ممهدة بالورود يمكنها أن تُعوّضه عن حنين بلاده ووطنه..

لكن قبل أن أوجه لومي للأطباء.. هل كلّف مسئول ممن يديرون شئون الصحة في مصر نفسه بالتوجه إلى صالات المطارات للاطلاع على قوائم السفر الأخيرة للأطباء الذين سافروا إلى الخارج؟.. أو هل توجه أحد منهم يومًا إلى مقار المستشفيات وجلس وسط هؤلاء الأطباء قبل أن يرحلوا، واستمع لمدة 10 دقائق فقط إلى مشكلاتهم؟.. بالطبع لا، لم نسمع أبدًا هذا الكلام على الإطلاق.

مسلسل عبثي كارثي يجسد واقعا أليما لظاهرة رحيل الأطباء إلى خارج البلاد رغم العجز الصارخ الذي تُعاني منه جميع المستشفيات، ورغم أن الأسباب تعددت لكن القرار كان واحدًا، فدوافع الرحيل كانت كثيرة، أخطرها على الإطلاق النقص الحاد في الإمكانيات والمستلزمات العلاجية كالدواء والأجهزة الطبية التي أعاقت هؤلاء الأطباء عن مزاولة نشاطهم وخلفّت مُشاحنات بينهم وبين المرضي واتهامهم بالتقصير، بالإضافة إلى تدنى الأجور المالية للأطباء بالمستشفيات كل هذه المشاهد أنهكت جسد هذه المؤسسات وتركتها مريضة ينهش فيها الإهمال بعد أن جعلها بيئة غير ملائمة للعمل.

دوافع مالية أيضًا كانت من أسباب رحيل الكثير من هؤلاء الأطباء للعمل في الخارج وهي بالطبع حق أصيل لأي إنسان يريد أن يرتقي بمعيشته إن كانت في الحضيض، أو يفضل العمل بمكان يراه أفضل من غيره، لكن هناك دوافع نفسية أخرى دفعت الكثير منهم أيضًا إلى الرحيل خلفّتها الأوضاع السيئة داخل المستشفيات من ضغوط ومُشاحنات ونقص في الإمكانيات والمستلزمات الطبية، ونقص أيضًا في الكوادر الطبية دفعت الأطباء للقيام بأعباء إضافية داخل الوحدات العلاجية وأقسام المستشفيات.

السادة القائمون على شئون الصحة.. قبل أن تُقلع طائرة الأطباء وتتفاقم أزمة تلو الأخرى امنعوا الأطباء من السفر، ليس بإصدار قرار تبِع مشروع قانون أعده نائب بالبرلمان يحظر سفرهم إلى الخارج، بل بقرار واجب النفاذ عندما توفر لهم الدولة كل الإمكانيات المناسبة داخل المستشفيات تساعدهم على علاج مرضاهم، وتتيح لها جميع الأجهزة الطبية الحديثة المستخدمة في إجراء الفحوصات والتحاليل والعلاج بشتى أشكاله، وتكثف التواجد الأمني داخل وحدات الاستقبال وخارج أبواب العنابر لمنع المشاجرات والمشاحنات والمشادات بين الأطباء والمرضى واتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة تجاه المقصر.

قبل أن تقُلع طائرة الأطباء أنقذوا منظومة الصحة من الهلاك فالمريض في النهاية هو ضحية هذه المؤسسات العلاجية التي دمّرها الروتين وغياب الضمير، استمعوا إلى مشكلات هؤلاء الأطباء واعقدوا نيتكم على حلها بجدية، اطلبوا من الرئيس السيسي نفسه – وهو لا يبخل – أن يدعم قطاع الصحة حتى ولو أمر بتخصيص جزءًا من الأموال التي تم ضبطها في وقائع الرشاوى لتطوير هذه المستشفيات ومدها بالإمكانيات والأجهزة الطبية الحديثة والمستلزمات الدوائية المطلوبة لتخفيف الضغوط عن العاملين داخل هذا القطاع .. وقتها امنعوا الأطباء عن السفر.