الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دول النيل الأبيض تحتل قلب اهتمامات الرئيس السيسي


يبدي الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتماما كبيرا بدول حوض النيل الأبيض بقدر اهتمامه بدول حوض النيل الأزرق، وهو ما دفعه لبدء جولته الأفريقية الحالية بتنزانيا ورواندا قبل أن يستكلمها بالجابون وتشاد، ولكن لماذا يهتم الرئيس السيسي بتعزيز التعاون مع دول النيل الأبيض في جميع المجالات لا سيما في المجال الاقتصادي لربط المصالح المصرية بمصالح دول حوض النيل الأبيض؟

وقبل الخوض في قرار الرئيس السيسي بتعزيز التعاون مع دول حوض النيل الأبيض للحفاظ على رصيد مصر من المياه بل وزيادتها من خلال التعاون مع الدول المشاطئة للنيل الأبيض، ينبغي أولا أن نفرق بين النيل الأبيض، والنيل الأزرق، قبل أن يلتقيا في الخرطوم، عاصمة السودان، ليصبح نهر النيل الذي يخترق الأراضي المصرية في أقصى جنوب مصر ليتفرع في أقصى الشمال لفرعين هما فرع دمياط، وفرع رشيد، يفصل بينهما دلتا وادي النيل قبل أن يلقي النيل بجزء بسيط من مياهه في البحر المتوسط بعد بناء السد العالي.

وتتكون دول منبع حوض النيل الأبيض من تنزانيا، ورواندا، وأوغندا، وبوروندي، و كينيا، والكونغو الديمقراطية، إلى جانب دولتي المصب السودان ومصر، فعندما تهطل الأمطار في دول المنبع فإنها تسير في مجارٍ مائية تتجمع في بحيرة فيكتوريا التي يقع الجانب الأكبر منها في أوغندا ويطل عليها كل من كينيا وتنزانيا، وهنا في بحيرة فيكتوريا تخرج المياه في صورة النيل الأبيض، وقد أطلق عليه هذا الاسم بسبب لونه الفاتح لقلة الطمي به بالقياس بالنيل الأزرق.

أما النيل الأزرق، فيستقي موارده من هطول الأمطار على الهضبة الإثيوبية، فتسير هذه الأمطار أيضا في مجاري مائية لتصب في بحيرة تانا التي ينبع منها نهر النيل الأزرق قاتم اللون بسبب كميات الطمي الهائلة التي تعلق بمياهه، ورغم مساهمة أمطار إريتريا ودولة جنوب السودان في النيل الأزرق، إلا أن الهضبة الإثيوبية هي التي تمول النيل الأزق بمعظم رصيده.

وكما أشرنا فإن النيلين الأبيض والأزرق يلتقيان في الخرطوم ليكونا مجرى نهر النيل الذي يعد أطول نهر في العالم، فطوله يزيد على 6650 كليو مترا، لكن الأهم من ذلك هو أن الأمطار التي تهطل على دول حوض النيل تصل إلى تريليون و600 مليار متر مكعب، أي أضعاف أضعاف ما تحصل عليه مصر (55.5 مليار) والسودان (18.5 مليار)، ويساهم النيل الأزرق بالجانب الأكبر من تغذية نهر النيل بالمياه، حيث تصل نسبة هذه المساهمة لنحو 84 في المائة مقابل 16 في المائة لدول النيل الأبيض.

واستنادا إلى هذه الكميات الهائلة من الأمطار التي تهطل على دول حوض النيل، وقع اختيار الرئيس السيسي على تعزيز التعاون وربط المصالح الاقتصادية المصرية بمصالح جميع دول حوض النيل لحل أي مشاكل تنشأ بسبب قيام دول الحوض بإقامة السدود، فضلا عن وضع قواعد عادلة تحكم استخدامات كل دولة إلى جانب تعظيم موارد نهر النيل.

فمن هذه الكميات الهائلة من الأمطار (1.6 ترليون متر مكعب)، يتدفق في مجرى نهر النيل 84 مليار متر مكعب فقط، ومن هذا المنطلق قال الرئيس السيسي في كلمته أمام أول قمة تجمع دول حوض النيل في كامبالا عاصمة أوغندا في 22 يونيو الماضي: "إن مصر ترتبط مع أشقائها بنهر النيل العظيم، والذي يسقط على حوضه ما يقرب من 1600 مليار متر مكعب من المياه سنويا ولا يتدفق في مجرى النهر منها إلا حوالي 84 مليار متر مكعب فقط، وتهدر مئات المليارات الأخرى نتيجة عدم توافر الاستثمارات الكافية في بنية أساسية تستطيع تعظيم الاستفادة من تلك المياه في جميع مناحي التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلداننا".

وترجع أهمية دول النيل الأبيض، إلى دورها الكبير في تغذية النيل بمياه الأمطار الغزيرة التي تهطل عليها في الوقت الذي تقل فيه الأمطار على دول النيل الأزرق، ما يساهم في الإبقاء على منسوب المياه في النيل عند مستويات مرتفعة تعمل بقوة على تلبية احتياجات مصر من الزراعة والصناعة والملاحة النيلية طوال العام.

فموسم الأمطار في تنزانيا على سبيل المثال يصل إلى أقصى غزارة له في مارس وأبريل ومايو، وهي نفس الشهور التي تشهد هطول الأمطار بغزارة في رواندا في وقت تقل فيه الأمطار على دول حوض النيل الأزرق في هذه الأشهر. يذكر أن موسم الأمطار الغزيرة في إثيوبيا يمتد من نصف يونيو إلى نصف أكتوبر.

ومن هنا كان اهتمام مصر بالمساهمة في تعظيم الثروات المائية في دول حوض النيل الأبيض حتى لا تضطر هذه الدول لإقامة السدود على مجرى النيل فتؤثر سلبا على رصيد مصر من المياه.

ويؤكد سفير مصر في تنزانيا، ياسر الشواف، أن مصر قدمت الدعم المالي والفني لحفر 60 بئرا شمال تنزانيا خلال مرحلتين، وهناك مرحلة ثالثة ستصل إلى 100 بئر، وتعمل مصر أيضا على إنشاء خط ملاحي نهري للربط بين جميع دول حوض النيل لينتهي عند بحيرة فيكتوريا، منبع النيل الأبيض لربط مصالح دول النيل عبر النهر.

ولا تتوقف سياسة مصر الجديدة على التعاون مع دول حوض النيل في مجال المياه، بل تخطت ذلك لتشمل مساهمة الشركات المصرية في النهوض بالبنية التحتية وتقديم المساعدات الطبية وتدعيم التبادل التجاري، فضلا عن العمل على تشكيل لجان صداقة برلمانية مشتركة.

وأخيرا، فإن وقوع اختيار الرئيس السيسي على إقامة شراكة اقتصادية مع دول حوض النيل تنبع من استفادته من الدروس السابقة في العلاقات مع القارة السمراء، والدرس الأكبر كان من استفادته من تجربة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الأفريقية، فقد تمكن عبد الناصر (1952-1970) من إقامة علاقات ممتازة مع الدول الأفريقية لكنها علاقات اقتصرت في غالبيتها العظمى على الجانب السياسي فقط.

فكانت الدول الأفريقية حينذاك تؤيد مصر في الصراع العربي الإسرائيلي نظير دعم مصر لاستقلال الدول الأفريقية من المحتل الأجنبي وإنهاء سياسة الفصل العنصري في القارة السمراء، ومع انتفاء الغرضين تغيرت الظروف السياسية ولم تعد الدول الأفريقية بحاجة ملحة إلى مصر والعرب، ولم يعد يتذكر زعامة عبد الناصر من الأجيال الأفريقية الجديدة سوى أبناء الزعماء التاريخيين للقارة الأفريقية مثل أبناء زعيم استقلال الكونغو الديمقراطية، باتريس لومومبا، الذي أنقذ عبد الناصر حياة أسرته من القتل بتهريبهم إلى مصر بعد أن نجح الاستعمار البلجيكي في قتل لومومبا بالتعاون مع المخابرات الأمريكية "سي آي إيه".

ومن هنا جاءت استراتيجية السيسي القائمة على ربط المصالح المصرية الاقتصادية بالمصالح الاقتصادية الأفريقية لأن المصالح تتصالح ولا تتغير بتغير الظروف السيساسية، فالجنيه المصري سيظل جنيها، والفرنك الرواندي سيظل فرنكا، والشلن التنزاني سيظل شلنا، مثلما سيظل الدولار الأمريكي دولارا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط