الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مين قالّك؟!


بعد عمر طويل عاشته متنقلة من بلد لآخر بحكم وظيفتها الدبلوماسية عادت الى وطنها الأم ولم تكن بعودتها كما كانت بل صارت مزيجا من كل الدول التى عاشت فيها ومن كل الموروثات التى اكتسبتها فى رحلة عمرها التى خرجت منها بتجربة اسرية غير سوية.

فقد عاشت تحافظ بكافة الصور على اسرتها حتى تظل براقة فى المجتمع وحتى لا يتأثر وضعها الحساس بأية اقاويل او معلومات تهدد بنيان عمرها كله ، فى رحلتها تأكدت من خيانة زوجها لها الاف المرات وايضا علمت استغلاله لمنصبها فى العديد من تعاملاته وأدركت ايضا انه سرق من اموالها الكثير ليضيف اصفارا فى رصيده ينفقها على كل ما يسعده ايا كانت مشروعيته.

فى رحلة عمرها لم تعطِ لزوجها اى دلالة على انها تعلم ما يفعله من ورائها، بالعكس كانت تتعامل معه بمنطق الولهة ،المحبة التى تسعد كل السعادة بوجوده فى حياتها ،حتى جاء يوم وجدته امامها يطلب منها ان تتعهد له بالبقاء معه مهما حدث وعندما استغربت طلبه قال لها انه مريض بمرض عضال ويخشى ان تتركه واعترف لها بما تعرفه هى من زمن واندهش عندما اكدت له اكثر مما ذكره لها وعن علاقاته واموالها التى اختلسها وعن وعن...

قابل كلامها ببكاء متواصل وبتقبيل يدها بل انه هم بأن يسجد ليقبل قدميها راجيا الا تتركه وتسامحه ،ولم يمهلها القدر ان تسامحه ولا حتى ان تعرف ماهية احساسها نحوه ولا تفسير صبرها عليه فقد اختطفه الموت واخذه الله اخذ عزيز مقتدر ولم يترك له زمنا ولا نفسية يستغفر فيها ربه عن ذنوبه التى بلغت عنان السماء.

لم تحزن عليه بقدر حزنها على ابنائها الثلاثة الذين كانت ردود افعالهم تجاهها باردة ولا تحمل اى مشاعر سواء سلبية او ايجابية بل ان احدهم اتهمها بأنها اهدرت عمرها عندما ارتضت لنفسها ان تكمل دور المخدوعة ،ولم ترد ليس لعدم وجود حجة الرد بل لانها ادركت ان زرعها طرح فى مكان لم تملكه يوما فقد تنقلت بهم من بلد لاخرى واصبحوا يختزنون من كل بلدة اخلاقياتها ولم يكن لديهم رصيد قومى من بلدهم يرسخ اقدامهم ويقوى عزمهم وعزيمتهم.

تأكدت انها خرجت من رحلة عمرها الوظيفى برصيد مشرف وبأوسمة وشهادات وتقليدات ، اما حياتها الخاصة فخرجت منها بصفر كبير ،زوج خائن ،سارق ،مات ولم يحبها يوما ..وعندما قست عليه الحياة وتسلل المرض اليه كان كل همه ، نفسه ، وألا تتركه هى فى هذه الحالة ، أبناؤها لم ينتموا لها ، وكل منهم صارت له منظومة حياتية لن تعيده ابدا الى موطنه الاصلى وعادت هى الى بلدها والى بيت اسرتها القديم فى العجوزة وتمضى بها الايام وهى تتحسس فيه خطاها ولا تملك سوى رصيد من الذكريات وحائط ملىء بالاوسمة والشهادات، وقلب مطعون بخنجر العمر الخائب والابناء عديمى النفع والقدرات .

ووسط كل هذا العالم كانت تتلصص النظر الى قطعة من قلبها كان هو فيها زميل دراستها وحبها الذى حرمت منه بحكم من اهلها لانه غير كفء لها، والان عندما عادت لا يفصلها عنه سوى مبنيين وعلمت انه لم يتزوج وبأنه نار على علم وبأنه.. وبأنه.. ، ومع ذلك لم تستطع ان تذهب اليه لمجرد اخباره بعودتها والتطلع الى ملامحه المحفورة فى اعماقها .فقط كانت تستعيد عمرها بإعادة ذكرياتها وذكراها وذكراه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط