الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«صدى البلد» يرصد ظاهرة التسرب من التعليم.. مطالب بتعديل القانون ومعاقبة أولياء الأمور بغرامات مالية.. وزيادة دعم الدولة لأسر المتسربين

صدي البلد ترصد ظاهرة
"صدي البلد" ترصد ظاهرة التسرب من التعليم.

  • 2 مليون و122 ألف تلميذ وتلميذة عدد المتسربين وعدم رغبة الفرد والأسرة أبرز الأسباب
  • 2370 منطقة في 17 محافظة محرومة من التعليم وسوهاج على رأسها
  • 1.5 مليون طفل عامل و40% معدل الزواج المبكر أبرز نتائج التسرب
  • عقوبات "التسرب" بقانون التعليم القديم "هزلية".. غرامة 10 جنيهات
  • مقترح قانون بمعاقبة "ولي الأمر" بغرامة 500 جنيه ومطالب بزيادتها لـ 1000 جنيه
  • "التربية والتعليم" تتعاون مع "تكافل وكرامة".. 140 للمرحلة الثانوية و100 جنيه للإعدادية
  • التأهيل التربوي للمعلمين والعدالة ومنع العقاب لمنع التسرب من التعليم

داخل إحدى ورش النجارة، يجلس "محمد. م" بملابسه المتسخة ووجهه الشاحب، بمدخل الورشة ينظر لأقرانه من الجيران وهم عائدين من المدرسة، بينما هو ينتظر "الأسطى" لكي يكمل عمله في دهان الموبيليا وإصلاح التالف منها.. محمد، هو طفل ضمن خمسة أطفال داخل أسرته، توفي والده ولم تتمكن والدته من تحمل نفقات الدراسة والمأكل والملبس، فما كان منها إلا أن جعلته يترك المدرسة وهو بالصف الثاني الابتدائي ليبدأ العمل كـ "صبي نجار"، وينفق على والدته وأشقائه.

يقول: "أبويا اتوفى ووالدتي قالت لي إنت راجل البيت ولازم تشتغل، ومالناش حد وإخواتي بنات وكلهم خرجوا من التعليم برضه، واللي بتشتغل في مصنع واللي شغالة مع أمي في نظافة البيوت، ومرتبي 25 جنيه فاليوم، وكان نفسي أكمل تعليمي ولكن ظروفنا صعبة، وأمي قالت لي التعليم دا محتاج فلوس كتير وإحنا مش لاقيين تمن الأكل".

أما "أنس. أ"، فقد ترك المدرسة بإرادته، للعمل كـ"صبي حلاق"، حسب وصفه، قائلا: "لم أكن أهوى الدراسة، وكنت أتعرض للعقاب من المدرسين دائمًا، وطلبت من والدي أن أترك المدرسة وأشتغل وأساعده، ووافق وتركتها وأنا فالصف الرابع الابتدائي، وبدأت أتدرب على المهنة وأساعد صاحب المحل، مقابل 15 جنيها يوميا، ومبسوط لأن بدأت أحس إني راجل وبساعد أسرتي".

معدل التسرب من التعليم
محمد وأنس، ليسا فقط من تسربا من مراحل التعليم، فهناك بين السكان المصريين (6-20 سنة)، حوالي مليون و122 ألف فرد عام 2017 متسرب أو غير ملتحق بالتعليم، و321.8 ألف طفل تركوا المدارس من المرحلة الابتدائية، و451.6 ألف من الإعدادى، والمتسربون من الثانوية 394 ألف طفل، والغالبية من الجيزة وسوهاج، طبقًا للأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وارتفع عدد الأفراد الأميين إلى 18 مليونا و434 ألف أمي.

ويعود ذلك لعدة أسباب، بحسب ما تم رصده من ظاهرة للتسرب بالتعداد السكانى، منها عدم رغبة الفرد فى التعليم، حيث بلغت نسبة غير الملتحقين بالتعليم لهذا السبب 37.2%، وتلاها سبب عدم رغبة الأسرة فى التعليم، وبلغت النسبة لغير الملتحقين بالتعليم لهذا السبب 18.9%، وبسبب الظروف المادية بلغت نسبة غير الراغبين فى الالتحاق بالتعليم لهذا السبب 17.8% من إجمالى عدد غير الملتحقين بالتعليم من سكان مصر، وسبب تكرار الرسوب، بنسبة 9.2%، وسبب الزواج بنسبة 6.3%، ولصعوبة الوصول للمدرسة بنسبة 5.2%، وسبب العمل بنسبة 2.3%، ولوفاة أحد الوالدين بنسبة 1.5%، وبسبب الإعاقة بنسبة 0.8%، وسبب انفصال الوالدين بنسبة 0.6%.

كما أنه طبقا لأحدث تقرير صادر عن الهيئة العامة للأبنية التعليمية هناك 2370 منطقة فى 17 محافظة محرومة من التعليم، وسوهاج على رأس المناطق المحرومة من التعليم الأساسى، إذ بها 351 منطقة بلا مدارس، ومحافظة قنا توجد بها 303 مناطق محرومة من المدارس، ومحافظة المنيا بها 291 منطقة محرومة من المدارس.

نتائج التسرب من التعليم
وتعددت نتائج التسرب، فهناك قرابة 1.5 مليون طفل عامل، طبقا لتصريحات بيتر فان غوى، مدير مكتب منظمة العمل الدولية فى مصر، ووصل معدل الزواج المبكر للإناث الأقل من 18 سنة، طبقا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، حوالي 40% حالة زواج مبكر، بإجمالى 118 ألف حالة زواج و178 ألف حالة طلاق فى 2016.

كما صرح مسئولو المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، بأن عدد أطفال الشوارع فى مصر بلغ 16 ألفًا، طبقًا لآخر مسح شامل قام به.

عقوبات التسرب "هزلية"
ورغم أن هناك نصا بقانون التعليم رقم 139 لعام 1981، ينص على إخطار المدرسة لولي الأمر في حالة عدم ذهاب طفله في الوقت المحدد، أو لم يحضر بانتظام خلال فترة زمنية معنية بدون مبرر، ويفرض غرامة رمزية 10 جنيهات على ولي الأمر في حال عدم عودة الطفل، إلا أن مديري المدارس لم يعد يهتموا بإرسال الإنذارات، حتى أن بعض ملفات المتسربين مازالت بالمدارس ولم تتم متابعتها أو مراجعة الحالات من قبل الإخصائي النفسي أو الاجتماعي.

تعريف التسرب
ويعرف "التسرب من التعليم" بـ "عدم تقدم الدارسين من الأطفال فى سن الإلزام إلى المدارس نهائيا أو تقدمهم ثم عدم انتظامهم في الدراسة بعد ذلك"، فيما تعرفه منظمة "يونيسف" بأنه عدم قدرة المدرسة على الاحتفاظ بالتلميذ أو التلميذة بعد الالتحاق بالمدرسة، والتسرب من المدرسة الابتدائية يتمثل فى فشل التلميذ فى إتمام تلك المرحلة من النظام التعليمى وعدم استمراره حتى نهاية المرحلة الابتدائية"، ويعرفه المجلس القومى للأمومة والطفولة بأنه انصراف أو انسحاب التلميذ المسجل بأى مدرسة من مدارس التعليم الأساسى أو الابتدائى بجميع أشكالها الحكومية والخاصة والأزهرية قبل أن يكمل تعليمه الأساسي.

أسباب التسرب من التعليم
وطبقا لقول الخبير التربوي دكتور أيمن البيلي، تتعدد أسباب ظاهرة التسرب من التعليم فى المجتمع المصرى، والتي قد ترجع إلى البيئة الأسرية كقسوة الوالدين والخلافات الأسرية المتكررة والتدليل الزائد، أو أهمال الوالدين للطفل، وانخفاض المستوى الاقتصادى للأسرة، وكذلك بعد السكن عن المدرسة وصعوبة المواصلات من ضمن الأسباب، وأيضا أسباب تتعلق بالطفل ذاته كضعف صحته العامة وضعف الثقة بالنفس والاتكالية والشعور بالنقص أوالاضطهاد، أو سوء علاقاته بالآخرين سواء داخل الأسرة أو خارجها، أو فيما يتعلق بالبيئة المدرسية كضعف الإمكانات المدرسية ونقص عدد المدرسين وقلة كفاءتهم، وقلة عدد الفصول وازدحامها بالتلاميذ، وسوء المعاملة فى المدرسة، وتكدس المناهج وعدم مناسبتها لمرحلة النمو، وقلة الأنشطة التى تجذب التلاميذ.

آثار التسرب
وحول "الآثار الاجتماعية والثقافية"، يقول البيلي: "يصبح الفرد أقل تكيفًا مع المجتمع وعاملًا من عوامل التفكك الاجتماعى، ما يجعله فريسة سهلة للانحرافات الاخلاقية ويؤدي لانتشار الأمية وإهدار للطاقة البشرية وانخفاض الإنتاجية، حيث يلتحق بسوق العمل قبل الإعداد المناسب له، وانتشار ظاهرة أطفال الشوارع الناتجة عن سوء الظروف الأسرية أو النفسية أو التعليمية، وتفاقم مشكلة عمالة الأطفال أحد الآثار السلبية المترتبة على عملية التسرب من التعليم والتى تتنامى فى المجتمع المصرى بشكل ملحوظ".

تعديل القانون
كل تلك المشاكل دفعت وزارة التربية والتعليم لتعديل قانون التعليم الصادر بالقانون رقم 139 لسنة 1981، ليشمل التعديل المواد المتعلقة بمكافحة التسرب من التعليم، وأبرزها "كل طفل بلغ سن 6 سنوات يجب أن يكون ملتحقًا بمدرسة، ونصت المادة رقم 19، على أنه إذا لم يتقدم الطفل إلى المدرسة في الموعد أو لم يواظب على الحضور بغير عذر مقبول لمدة عشرة أيام متصلة أو عشرين يومًا منفصلة، وجب على مدير المدرسة إنذار ولي الأمر بحسب الأحوال بكتاب يوقع عليه والد الطفل أو المتولي أمره، وإذا عاود الغياب لأعذار غير مقبولة اعتبره والده أو ولي أمره مخالفًا لأحكام هذا القانون، وتطبق عليه العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون".

ونص تعديل القانون على أن لمديري مدارس التعليم الأساسي، ولمن يندبهم المحافظ المختص من هيئة الإشراف والتوجيه الفني بالمراحل التعليمية صفة رجال الضبط القضائي في تنفيذ حكم إلزام، ويعاقب بغرامة مقدارها 500 جنيه والد الطفل أو المتولي أمره إذا تخلف أو انقطع دون عذر مقبول عن الحضور إلى المدرسة خلال أسبوع من تسلم الكتاب المنصوص عليه في هذا القانون، وتتكرر المخالفة وتتعدد العقوبة باستمرار تخلف الطفل عن الحضور أو معاودته التخلف دون عذر مقبول بعد إنذار والده أو المتولي أمره، وتحدد اللائحة التنفيذية أوجه تحصيل وصرف قيمة هذه الغرامة.

دور البرلمان
في المقابل، أعلنت النائبة ماجدة نصر، عضو مجلس النواب، عن تأكيدها لفرض عقوبات على أهالي المتسربين من التعليم، مؤكدة أن القانون ما زال في طور الإعداد حتى الآن، والعقوبات ستكون على أهالي المتسربين من التعليم والأهالي الذين لم يقوموا بإلحاق أبنائهم بالتعليم. من أجل محاربة الأمية والقضاء عليها في مصر.

وبالمثل أكد الدكتور جمال العربى، وزير التربية والتعليم السابق، أنه اقترح أثناء فترة قيادته للتربية والتعليم تعديل القانون رقم 139 للتعليم، خاصة فيما يتعلق بالتسرب من التعليم، مطالبا بأن تصبح الغرامة 1000 جنيه بدلا من 10 جنيهات، حتي يخشى ولى الأمر من المبلغ ويضطر للذهاب بابنه للمدرسة، وفي حال تغيب الطالب مرة ثانية فالعقوبة تتضاعف على ولى الأمر حتى تصل إلى السجن، وفى هذه الحالة يكون ولى الأمر حريصًا أشد الحرص على أن يذهب ابنه إلى المدرسة.

ويقول "العربي": "أما إذا كان ولى الأمر ضعيفًا ماديًّا ولا يقوى على العملية التعليمية، فالحل أن الشئون الاجتماعية تتواصل مع أهالي المتسربين براتب شهري، لمساعدتهم في تعليم الأطفال".

وأشاد كمال مغيث، الخبير التربوي، بتعديل القانون، مطالبا بتوفير مساعدات مادية ملائمة للظروف الاقتصادية، لمحاربة الأمية، موضحا: "الأمر لا يتوقف على قانون وعقوبات ومعاقبة أولياء الأمور أو حرمانهم من حصتهم في التموين أو معاش التضامن، ولكن إذا تم توفير مبالغ مادية ملائمة، سيكون هو الحل الأمثل".

موقف الوزارة وجهودها
وصرحت راندا حلاوة، رئيس الإدارة المركزية للمشاركة المجتمعية ومحاربة التسرب من التعليم بوزارة التربية والتعليم، بأن الوزارة وبالرغم من تقديمها لتعديل قانون التعليم، فإنها طبقت خطة لمعالجة التسرب التعليمى، بدأت بتدريب الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين فى المدارس وشئون الطلبة وعقد مجموعة من ورش العمل، وتم تكليف المديريات بحصر أعداد الطلاب المنقطعين عن الدراسة، وتوصلت إلى أن أسباب التسرب من المدرسة وترك الطلاب لها منها أسباب اقتصادية، وتم التواصل مع الأسر وضمها إلى معاش "تكافل وكرامة" الذى تمنحه وزارة التضامن، وأسباب اجتماعية وسيتم العمل على حلها وأسباب تتعلق بصعوبة التعلم لدى الطفل، حيث سيتم إدراجه ضمن برنامج "ضعف القراءة والكتابة" الذى تطبقة الوزارة على الطلاب ضعاف القراءة والكتابة، كما سيتم استدعاء ولى أمر الطالب المتسرب أو المنقطع عن المدرسة وتتم مناقشته فى أسباب الانقطاع.

مشروع مكافحة التسرب
تقول "حلاوة": "مشروع مكافحة التسرب من المدارس نجح بنسب متفاوتة في المحافظات الخمس التي تم تطبيق المنظومة فيها خلال العام الدراسي الماضي، ونسبة عودة الطلاب المتسربين للمدارس في محافظة البحيرة بلغت 40%، وفي الشرقية 15%، وكفرالشيخ 8%، والإسكندرية 18%، وتستمر المنظومة بذات المحافظات خلال العام الدراسي المقبل لمضاعفة عدد العائدين إلى المدارس مرة أخرى".

وأضافت أنه سوف يطبق في 12 محافظة أخرى خلال العام الدراسي الحالي، وسوف يتم تقديم مكافآت مالية للأسر الفقيرة التي توافق على عودة ابنها إلى المدرسة، وبالنسبة للمبالغ المقدمة للأسر الفقيرة التي توافق على انتظام ابنها في الدراسة من جديد، فإنها ستكون 140 جنيها للطالب المقيد بالمرحلة الثانوية و100 جنيه للطالب بالمرحلة الإعدادية، و80 جنيها للطالب في المرحلة الابتدائية، موضحة أن هذه المبالغ سوف تصرف للأسر بشكل شهري من خلال مشروع "تكافل وكرامة" الذي تقدمه وزارة التضامن الاجتماعي.

‏‫وتابعت رئيس الإدارة المركزية لمكافحة التسرب من التعليم: "التسرب يعد إهدارا للمال العام، ولهذا يتم التواصل مع مديريات التضامن الاجتماعي لصرف مبالغ مالية، شريطة أن تكون نسبة حضور الطالب 80%".

دور "التضامن"
وصرحت غادة والي، وزير التضامن، بأن برامج الحماية الاجتماعية بدأ تطبيقها منذ عامين لبرنامج الدعم النقدى المشروط للسيدات "تكافل وكرامة"، وقد نجحت مصر فى تحقيق هدفها من البرنامج بالوصول إلى أكثر من مليون و700 ألف أسرة، وتحصل الأسر على الدعم النقدى الذى يشترط ذهاب الأطفال إلى المدرسة وانتظامهم بالتعليم، ويحصل الطفل فى المرحلة الابتدائية على مبلغ مالى صغير ويزيد هذا المبلغ كلما استمر الطفل فى مراحل التعليم الإعدادية والثانوية.

وأضافت "والي": "المساعدة مشروطة بتحقيق نسبة حضور فى المدرسة بالنسبة للأبناء، ليس هذا فقط بل إن البرنامج أجبر الأسر الفقيرة في القرى والنجوع على المتابعة الصحية لأطفالهم؛ حيث إن برنامج تكافل هو برنامج يقدم مساعدات مادية مشروطة للأسر التي لديها أطفال في مراحل التعليم المختلفة أو الأطفال الصغار الذين يحتاجون إلى الرعاية والمتابعة الصحية، بل واشتُرط لاستمرار الحصول عليه تقديم كشوف متابعة برامج الوقاية والصحة الأولية للأطفال من سن الميلاد حتى 6 سنوات والأمهات بالوحدات الصحية الحكومية، وأيضًا أن يكون الأطفال من سن 6 سنوات إلى 18 مسجلين بالمدارس بنسبة حضور لا تقل عن 80% من عدد أيام الدراسة".

وحول طرق الحل، يضع الخبير التربوي أيمن عبد العزيز البيلي، روشتة لمنع تسرب الأطفال من التعليم ومنها: "التأهيل التربوى للمعلمين ليتحول لأحد عوامل الجذب للمدرسة، والعدالة في التعامل وعدم التمييز بين الطلبة داخل المدرسة، ومنع العقاب بكل أنواعه بالمدرسة البدني والنفسي، ومساعدة المعلم للطلبة لمعالجة ضعفهم، وإشراك الطلبة في نشاطات يحبونها، ووضع برنامج تعليمي مناسب لمستوى وأداء الطلبة، وكذلك تدريس المنهاج بطرق ممتعة وجذابة ومتنوعة، والتي بمجملها قد يساعد في التخفيف من تسرب الطلبة وزيادة حبهم للمدرسة".