كرة للقدم أم بحث عن مشروع نهضوي جديد

يحتفل العالم هذه الأيام بكأس العالم لكرة القدم، ذلك الاحتفال الذي يتبارى من أجل الوصول إليه معظم دول العالم، وفي سبيل هذا المنال الرياضي تزفر العديد من الدول بهذا الشرف والكثير منها يخفق و يجرجر في أذيال خيبة الأمل.
ولست مبالغا إذا ما استعنت بنبرة التفخيم في توصيفي لهذا الحدث النصف عقدي الذي بات مطلبا لم يناد به الفرق الكروية فحسب بل بات مأملا شعبويا ينازعه شعور اليأس والرجاء.
ولست أخال أدري أذا ما ولج الباحث بتجربته الذاتية في أطروحته التحليلية يعد ضربا من ضروب الإقحام أم أن أمانة القلم تفرض الاستعانة بكل شاهد يساعد على تقريب الصورة وبيان المراد.
فقد عشت آمال الشعب المصري عام 1990م حينما حقق التعادل أمام الفريق الهولندي القائد في القارة الأوروبية، وتجرعت مرارة الإحباط في عقود إخفاق المنتخب الوطني عن الوصول إلى نهائيات كأس العالم، تلك لقاطات تمر في خاطري على ريث ترافقها ذكريات الأهل والجيران في المنازل و المقاهي.
ليطل المنتخب الوطني حاملا آمال الشعب المصري متخطيا حواجز التصفيات المؤهلة لكأس العالم؛ ليكون أحد المشاركين في نهائيات روسيا التي رافقها البحث عن حاضن مأمول يستشعره المدقق في عيون الصغار و الكبار، و في تلهف النساء و الفتيات التي ليس لديها هوية كروية أو حتى رياضية ،لاشك أن التوجه الشعبي هنا بات غير مرتبط بالرياضة و ما يلازمها من إثارة و انفعال ، من فرحة و انكسار
الأمر أخاله توجه أيديولوجي وليد التقلبات العصرية الراهنة ، سيطرت على عقول المصرين بعامة حتى و إن اختلفت أشكالهم أو ميولهم إلا أن المصري وفق الطبيعة الأيكولوجية و أرثه الثقافي بات في نسيجه الثقافي الأولي واحد ، يتراكم عليه الثقافات و تترتب عليها الميول و الأولويات التي تعطي طابع التباين و الاختلاف إلا أن الموجه الثقافي الأولي هو الراسخ الذي لا يتبدل أو يتغير .
و لم تك هذه الفرضية على اختصاص التوجه الرياضي للمصريين فحسب بل نابعة عن إطار يحاول تفهم الطبيعة الأنثربيولوجية المصرية لما هو آن ، والتي يخيل إليّ أنها في حالة تلهف لبحث عن مشروع نهضوي أيا كان اختصاصه و أيا كان توجهه، فالمصري في العصر الحديث بخاصة في حالة تعطش للالتفاف حول مشروع نهضوي أيا كان توجهه يلتف حوله و يناهض من أجله بحثا عن الذات المتشبعة بالولاء و الانتماء ، فما قدمه القرن العشرين على سبيل المثال من حركات نهضوية بداية من الإمام محمد عبده إبان الصعود الثوري عام 1919م و ما رافقها من توجهات سعت إلى مناهضة الحركات الاستعمارية و الاستبدادية مرورا بالتوجهات النهضوية المدنية و الدينية و ما لزمها من حالات الانكسار و النمو الصهيوني في الرقعة العربية و ارتفاع النضال الوطني و العسكري لترسيخ القومية العربية ، كلها حركات كان المحرك لها الشعب المصري على اختلاف طوائفه و توجهاته، و إننا لسنا في حالة من التفصل للحركات النهضوية في العصر الحديث لكنا التذكرة تسعف الفكرة في غير إطناب.
و إذا ما نظر الرائي إلى مبارايات الفريق المصري نجد أن النتيجة التي يجب أن نفوز بها في ظلال الهزائم المتتالية في كأس العالم أن المصرين على طول جبهتها قادرة على أن تكون قوة مادام اجتمعت ميولهم و توجهاتهم حول مشروع نهضوي قادر على أن يرغمهم على تحمل الصحاب و تخطي العوائق .
و في إطار التحليل و التوصيف نجد أن خيبة الأمل الكروية انتابت المنتخبات العربية بعامة بذات السيناريو الكوي التي جائت عليه الهزيمة لكل دولة على حدا ، و على الرغم من افتقاري مما يؤهلني للتحليل الكروي إلا أن نمط الهزيمة هو ما حرك في الوجدان تأملات فيما هو أن ، فالكرات العرضية و الهزيمة في الأوقات الأخيرة من المباراة ، يؤكد على وقوع العربي في الفخ أكثر من مرة و عدم استفادته من أخطاء الماضي فضلا عن كون الغفلة التي قد تصيبه هي محل الهزيمة و الأمل.
الأمر الذي دفع إلى حتمية التأمل فيما هو ماض و الاستفادة منه ، و الثبات على كل برهة عمل حتى لا نكرر لحظات الانكسار.