الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمانى عبد الرحمن تكتب: ألواح الثلج

صدى البلد

مابين حرارة الشمس المتوجهة وبرودة ألواح الثلج وقف صاحب الاثنا عشر ربيعا ذا الجسد اليافع والملامح الصارمة وقد بدت عليه علامات الإجهاد والتعب يحاول إنجاح مهمته التى أوكلها إليه صاحب متجر الثلج ،وهى توزيع الألواح الثلجية لمحلات عصير القصب ؛لينعم الناس بكوب من عصير القصب المثلج .

مصطحبا معه زميله فى العمل الذى تجاوز التاسعة بشهور حاملا ملامح طفولية بريئة وروحا تميل للهو والدعابة وبعد الكثير من الخطوات الثابتة والناجحة فى هذه المهمة الصعبة بدأت أولى خطوات التعثر وبدا الارتباك على الصديقان وفجأة كادت الألواح الثلجية أن تسقط من على الدراجة المخصصة لذلك وشعر الشاب الصغير أنه يسقط ومعه ألواحه إلى الهاوية وتخيل المشهد الذى ينتظره عند عودته لعم متولى صاحب محل الثلج فهو رجل ممتلئ الجسد أفطس الأنف سليط اللسان يمتلك صوتا غليظا وكلمات قاسية كقلبه وهو دائما مايقوم بكل مايستطيع فعله حتى لايتعرض للتعنيف من ذلك الرجل،وحضرت أمه فى مخيلته وتخيل كيف سيكون حالها إن طرده عم متولى واستغنى عنه ، ورثى لحالها خاصة وأنه يعلم أنها لن تنهره أو توبخه وربما تواسيه خاصة أنها أصرت ألا يترك دراسته فحمل عبء العمل والدراسة معا ،لم تظهر له والدته أهمية تلك الجنيهات لها فى اعانتها على تربية أخويه الصغار بعد وفاة والده، بل ستزيد من ساعات عملها فقد كانت تعمل فى تنظيف المنازل. لقد آثرت الأم العمل فى البيوت على قبول المساعدة ، وقررت أن تنفق هى بنفسها على تربية الصغار، منعها كبرياءها والذى اورثته لابنها من ذلك.

لم يكتف بتخيل كل هذا وهوصاحب الكبرياء رغم حداثة عمره هو لا يريد الفشل أمام كل المارة وعابرين الطريق ومازاد الموقف إحراجا له ،مجموعة من الصبية فى نفس أعمارهم يلعبون فى الطريق، ويتجاذبون أطراف الحديث ،وقد بدت عليهم علامات يسر الحال
علت ضحكاتهم أثناء اللعب؛ فانجذب إليهم الصديقان الأول ..ظن انهم يتهامسون ويضحكون سخرية منهم والثانى.. صاحب الملامح البريئة انجذب إليهم وتمنى أن يترك تلك المهمة الصعبة والقاسية ويشاركهم اللعب فهولا يكترث بالعمل أوالنجاح والفشل فيه ولا بنظرة من حوله له، فهو واقع الأمر لايراهم متحفزين له ومنتظرين خطأه .

وحدث ما لم يتوقعه الصغير فقد دعاه أحدهم للعب معهم، فشط عقله ،وترك صديقه القائد ولم يكترث بصيحاته عليه ولا اللعنات التى صبها عليه ولا بوعيده له بأن يخبر العم متولى .

خرج الطفل بداخله وقفز إلى الأطفال يلهو معهم ،لاحظ الصبية الشاب يحاول إنقاذ ألواح الثلج من الوقوع وحمل ماقد وقع بالفعل فسارعوا اليه وعرضوا عليه المساعدة فنهرهم وابعدهم محاولا النجاح بمفرده ، لقد نهرهم فى صرخة عالية لم تكن فى محلها .
كانت صرخته تحمل وجعه وتدل على حرمانه . كانت صرخته تعلن غضبه على الوضع الذى يعانى منه، وهو طفلا فى مثل أعمارهم حرمته الظروف القاسية حقه فى اللعب واللهو ،حمل المسؤلية وهو مازال عودا أخضر ولم يمل .

كانت صرخته اعتراضا ،ووجعا، وألما حاول السيطرة على نفسه وغضبه وألواحه ،وقد ترقرقت فى عينيه دمعه نجح فى إخفاءها عن الجميع .

تراجع الصغار قليلا، وقد أظهروا انزعاجهم مما فعل .

أما صديقه الصغير، فقد آلمته الصرخة ورجع إلى صديقه مسرعا فقد فهم مايشعر به ورثى لحاله الذى يتشابه معه .

فكر أحد الصبية وصنع حلقة مع أصحابه حول الشاب وأخذوا بالتصفيق له على نغمة واحدة تشجيعا له التفت الشاب متعجبا فوجد نفسه محاطا بهم من كل جانب وارتفع صوت التصفيق عاليا وبدأ المارين جميعا الالتفات لتلك الموجة الرائعة وتوقف الطريق وشاركهم سائقي السيارات تلك الموجة.

ابتسم الشاب وفى لحظات كان قد أسند الدراجة هو وصديقه ورفع الألواح الثلجية وثبتها على الدراجة ،واتضح أنه لم يكن بحاجة للمساعدة العضلية بل كان بحاجة إلى المساعدة الروحية، يحتاج للتشجيع والمساندة وان يشعره الآخر بأهمية ما يفعل. من يقول له لست وحدك.

علت صيحة تشجيع من الجميع بل وشرع الشباب فى الرقص على إيقاع التصفيق وجذب أحدهم الصديقان ليشاركاهم الرقصة
وفى لحظات تحول الشارع إلى ساحة راقصة مبهجة ،وتحول معها شعوره بالغضب والثورة إلى شعورا بالألفة، والمحبة لكل من حوله.

وفى خضم تلك البهجة ، ابتسم الشاب لصوت جاء من داخله ........
ابتسم ....... تجلد ....... تستطيع .