الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هند العربي تكتب: ما بين الإحباط والإنتحار يتصدر شعار المرحلة

صدى البلد

"وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"، وقال تعالي(وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ) من سورة الأنعام.
بداية فقد حرم الله قتل النفس وإزهاق الأرواح مهما كانت المشاق والصعاب على النفس.

الإنتحار هو الفعل الذي يتضمن تسبب الشخص عمدًا في قتل نفسه، يرتكبه المنتحر غالبًا بسبب مرحلة اليأس والإحباط اللاتي قد يصل إليهما، والذي كثيرًا ما يعزى إلى اضطراب نفسي مثل الاكتئاب أو الهوس الإكتئابي أو الفصام أو نتيجة للإدمان وتعاطي المخدرات، ونري دائمًا ما تلعب بعض العوامل كالصعوبات المالية أو المشكلات في العلاقات الشخصية دورا اساسيًا في ذلك، و حسبما ذكرت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 800 ألف شخص ينتحرون سنويا وإن أكثر من 78 في المئة من حالات الإنتحار تحدث في دول منخفضة الدخل و متوسطة الدخل، بيد أن الدول الغنية تتعامل أيضا مع زيادة حالات الإنتحار، من بينها حالات تشمل صغار السن.

والإنتحار ظاهرة عالمية وقد صرحت منظمة الصحة العالمية أنه سنويًا يلقى ما يقارب 800,000 شخص حتفه بسبب الإنتحار، ومقابل كل حالة إنتحار هناك الكثير من الناس الذين يحاولون الإنتحار كل عام، كما يعتبر ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15و 29 عاما أي أغلبهم من فئة الشباب، كما تستأثر البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بنحو 78% من حالات الإنتحار في العالم، وتعد السودان وجيبوتي والصومال أعلي الدول العربية في معدلات الإنتحار الي كل 100 ألف شخص، كما سجلت دولة غيانا في أمريكا اللاتينية أعلي معدلات الإنتحار بين الإناث وحسب منظمة الصحة العالمية فإن 44 شخصا من بين كل 100 ألف ينتحرون في غيانا مقارنة بـ16 شخصا كمعدل عالمي.

إلا أن مع التزايد الملحوظ لحالات الإنتحار في مصر والتي ظهرت مؤخرا وتزايدت ما بين حالات إنتحار بالشنق أو السم أو تحت عجلات القطارات والمترو كحالة الفتاة التي ألقت بنفسها تحت عجلات قطار مترو الأنفاق، ما يستدعي ان نعي إننا وصلنا الي درجة من اليأس يهون معاها أن يتقطع الجسد تحت عجلات القطار! مشكلة حقيقية شكلت قلق المجتمع، فما بين الإحباط والإنتحار يتصدر شعار المرحلة باعتبارها ظاهرة تؤلمنا وتشعرنا بحالة من الغضب، حتي حالات العنف وجميع حوادث القتل التي تتم بلا رحمة تشعرنا بذلك، فالمنتحر يبعث برسالة للمجتمع أن ثمة أشياء خاطئة، وفكرة التلاعب بالموت هي إستغاثة للإنقاذ من هذا الوضع المرير الذي يتعرض له ويعيشه الشخص اليائس المنتحر، وإذا درسنا هذه الحالات نجد إنهم حاولوا وفشلوا ولن يجدوا من يقف بجانبهم، في حين أن الضغوط الحياتية فاقت قدراتهم وإمكانياتهم المحدودة.

أي أن إنسداد شرايين الأمل في التغيير أمام المصريين وعجزهم عن تدبير نفقات الحياة الضرورية هو المتغير المهم في تطور حالات الإنتحار، وسوء الحالة الإقتصادية السبب الرئيسي وراء تزايد تلك الحالات بين المصريين التي تتسبب في خلق الحالة النفسية السيئة داخل الشخص المنتحر، والفقر وإرتفاع معدلات الجريمة والعديد من المشكلات والبطالة وقلة الحيلة كلا منهم شجع علي الإنتحار هربًا من الواقع المؤلم.

ودعوني أحدثكم عما لفت نظري فيما قاله "إيميل دوركايم" العالم الفرنسي الشهير ومؤسس علم الإجتماع الحديث، الذي أشار إلى أن إرتفاع معدلات الإنتحار مؤشر لوجود "خطأ ما" في النظام الإجتماعي، وفي نفس الوقت نفي أن يكون سبب الإقبال علي الإنتحار بسبب مرض عقلي أو نقص وعي للشخص المنتحر، فيري أن الإنتحار عمل واعٍ يدرك من يقدم عليه نتائجه، أي أن الإنتحار هو "إشارة دالة على التفسخ الإجتماعي"، غير أن القوي الاجتماعية هي السبب وراء ذلك العمل، والمجتمعات التي تدفع أفرادها للإنتحار قد تكون ممن تمارس بعض أنواع القمع لمجرد إحساس المنتحر بالقهر، غير ان الظلم وغياب العدالة التي تعاني منها بعض المجتمعات عاملا رئيسًا تدفع الشباب دفعًا وبقوة إلى إختيار الموت سبيلًا للحياة الأبدية، لاسيما بعد حالة اليأس والإحباط التي خيمت على وجوه ودواخل البعض منهم، تحليل يترك وراءه العديد من الاستنتاجات والإشارة الي ما هو أسوء وافزع مما نعيش، فقد بات الأمر بالسيء الذي يستحق الوقوف أمامه خاصة مع تزايد معدلات الإنتحار مؤخرا في مجتمعنا .

أما عما يخص مصر، وما نشرته صحيفة "تايمز" الأمريكية، في تقرير لها في عام 2010، والتي تناولت من خلال تلك القضية بإعتبارها ظاهرة خطيرة لابد من وضعها تحت مجهر العناية من قبل المسئولين المصريين، بحيث كونها مؤشرًا خطيرًا حول الخريطة المجتمعية في دولة دينها الرسمي يمنع مثل هذه الجريمة ويعدها "كفرًا وخروجًا عن الإسلام". 

فتشهد مصر سنويا حوالي نحو 3 آلاف محاولة إنتحار لمن هم أقل من 40 عاما، فيما تقول تقارير أخرى إن خمسة أشخاص من بين كل ألف شخص يحاولون الإنتحار بهدف التخلص من مشكلاتهم.

إذن ...علينا أن نقرأ ما بين السطور دائما حتي نعي جيدا خلفيات الأمور، والرسائل التي يرسلها المنتحرون للمجتمع وكأنها تقول لنا أن التنسيقيات والإجتماعات التي تجمع بعض الشباب لم تحد من إرتفاع معدلات الإنتحار بين الشباب، وتولي النساء لوظائف الوزراء والمحافظين لم تخفض من معدلات إنتحار النساء، وأن سياسات الحماية الإجتماعية التي يدعمها صندوق النقد الدولي والحكومة وبرامج تكافل وكرامة وغيرها، لم تمنع هؤلاء من الإقبال علي الإنتحار وترك الحياة، بل هناك أشياء خاطئة واخري أهم تنقصنا شاركت في زيادة نسب الإنتحار بأبشع الصور والطرق .

فجمله القول ؛؛؛ ان فقدان الأمل والشعور بضياع المستقبل يحتاج الي معالجة مختلفة وتبني سياسات إقتصادية وإجتماعية من شأنها أن تعطي للشباب فرص حقيقية للحياة والمشاركة وبناء المستقبل، بإعتبارهم الفئة الأكثر عرضة لظاهرة الإنتحار بسبب البطالة والفقر واليأس، مع ضرورة تضافر كل الجهود سواء من قبل وزارات الدولة وأجهزتها أو معاهدها البحثية، وأحزابها السياسية التي لم نر منها أي دور في إحتواء الشباب، بالإضافة إلي دور الجمعيات الأهلية المحاصرة والممنوعة من التواصل مع الناس.


ولنتأمل جميعا تزايد أعداد المنتحرين واستحداث طرق الإنتحار وما وصلنا إليه ونفكر في حلول أخري للخروج من الأزمة، فالمواجهة تحتاج جهودنا جميعًا كما ان فكرة الحد من إنتشارها هو أيضا دور المجتمعات المدنية والجمعيات الأهلية والإعلام والحكومة من أجل التوعية وعلاج المشاكل التي تواجه المواطنين، بل ودورنا جميعا.