الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تامر محمد عزت يكتب.. الجنازة

تامر محمد عزت يكتب..
تامر محمد عزت يكتب.. الجنازة

" الله أكبر ..الله أكبر "
أذان الظهر يُعلن عن موعده في هذا اليوم الحار، هذا اليوم لم يكن استثناء، الشوارع ضيقة كانت مكتظة بعشرات المارَّة المتصببين عرقًا، كان السوق يغض برباب بيوت يشترين حاجيهاتهن على عجل، بينما كان سائقو سيارات الأجرة في المدينة يطلقون أبواق سيارتهم وهم يجاهدون لايجاد سبيل عبر شوارع المدينة المختنقة بالسيارات، كان هناك غير بعيد عن هذه الفوضى ،مئات المحزونيين ، يحضرون جنازة في المسجد إلا شخصًا واحدًا ، هو فقط الذي لا يعلم ماذا يفعل ؟.

تقدم المسجد بقدمه اليمنى تاركا حذاءه بالخارج دون اكتراث ، خطواته بطيئة وكأنه قادم إلى صلاة الجنازة تحت تهديد السلاح ، وقبل أن يجلس ويفكر صلى ركعتي تحية المسجد لعل الله يهديه للخروج من هذا المأزق ، لم يُركز كثيرًا ، الشيطان حضر في الحال مع أول تكبيرة ووسوس في أذنيه ، أنهى صلاته وجلس يحاسب نفسه .

كيف يكتب في مقالاته للناس ( يهمني الانسان ولو ملوش عنوان ) في حين أنه كاره لهذا الإنسان المتوفي ، أي انسان يتحدث عنه إذن ؟ ، شعر بأن هذه الجملة استهلاكية وبها كثير من النفاق والكذب ، والحقيقة أن هذا المتوفى قد سبب له الكثير من الشرخ المعنوي داخله ، وطالته يد الأذى ، ويوما ما كان السبب في الوقيعة بينه وبين والده ، لولا حكمة والده وهدوءه والأدلة والبراهين ، لكانت علاقته بوالده في شقاق ، لولا أن فَرَق البحر بعصاه ونجا ، لغرق كما غرق آل فرعون وجنوده ، ومع ذلك لم يهدأ له بال وأرسل لهما السامري ، ولكن الله عز وجل كان له بالمرصاد، وهرب السامري من حياتهم ولكن بعد أن فتن عائلته فتونا ، و صارت البيوت ظاهرها كباطنها من العذاب .

"الله أكبر..الله أكبر "
أخرجه من شروده إقامة الإمام للصلاة..قام متثاقلا عندما سمع ( قد قامت الصلاة) ..خشى أن يكون من المرائين..الذين إذا قاموا للصلاة قاموا كسالى..استعاذ بالله من الشيطان الرجيم. .وقف في الصف الثالث ولمح على يساره تلك الجثة التي طالما كانت تتحرك في كمائن الشر ..كاد أن يسخر منه ..لولا أنه تذكر أنه في بيت من بيوت الله ..استعاد توازنه قليلا ..وبعد التكبير..لم يتركه الشيطان مرة أخرى.

في يوم ما استدعاه والده ، وكان غاضبا منه ، ولم يفهم سر غضبه الذي كاد يحرقه وهو جالس أمامه ، وسأله سؤالا مباشرا : هل حقا اشتريت شقة وأخفيت عننا ؟ ، تعجب المسئول من هذا السؤال الغامض ، وكانت الاجابة نافية قاطعة ، وبعد أن هدأ الجميع و بعد ترتيب الأحداث وتسلسلها ، وجدوا أنها بذرة إشاعة قد أُلقيت في أرض عائلته ونمت وترعرعت وكانت ثمارها رؤوس الشياطين .

( السلام عليكم ورحمة الله )
أنهى الإمام صلاة الظهر ، صحيح أن صلاته بلا خشوع ولكنه استغفر ربه كثيرا لعلها تنجيه من غفلته ..اضطرب قلبه و امتقع وجهه وهو يرى الجثة محمولة على الأعناق وهناك من ينظر له شذرًا ، والتساؤل يحيط به: لماذا لا تتقدم معهم في حمل المتوفى ؟ ، تركهم لظنونهم غير عابئ بهم ، فإن القلب إذا امتلأ بالكراهية والحقد تجاه أحد فليس بالأمر الهيّن أن يصفو ، فإن هناك عالم ضبابي ما بين الحقائق وبين عالم الخيال وفي كثير من الأحيان قد تكون بين الاثنين مساحة من العتمة يصعب التكهن بمساحتها.

(صلاة الجنازة.. في الركعة الأولى ..)
كان الإمام يشرح كيفية صلاة الجنازة ..شرد بطلنا وتنهد تنهيدة خرجت من الأعماق ، فهو في إختبار صعب و لعين ، لأن بعد التكبيرة الثالثة مطلوب منه أن يدعو للمتوفى ، هل يدعو ؟ هل سيطلب من الله المغفرة والرحمة للإنسان الذي لم يرحمه ابدًا ؟هل يطلب له الثبات عند السؤال ؟ وهو الذي كانت اسئلته مراوغة له طول حياته ؟ هل يطلب له العفو ؟ وهو الذي لم يعفو عن أخطائه البشرية العادية ؟ شرد كثيرا في التساؤلات الغير منطقية ، حتى انهى الإمام صلاة الجنازة.. ابتسم في سخرية دون أن تُرسم على شفتيه أي علامة منها ..فقد سافر بعيدا ولم يدعي.

خرج سريعا قبل الازدحام ، خرج ورأى الحياة مرة أخرى، تقدم الجنازة وتأمل حال السيارات التي توقفت احتراما لهذه المناسبة المقدسة ، تسمّر البائعون والزبائن في أماكنهم ورفعوا إصبع السبابة كما التشهد أثناء الصلاة ، الحال تبدل لدى الجميع إلا هو ..هو الوحيد الذي خرج كما دخل ، قلبه ملئ بكل سواد الدنيا .

اقتربت الجنازة من المقابر ..ودخل النعش أمامه بعد أن وقف خارجها والعيون ترقبه ما بين احتقار واندهاش ..بعد دقائق خرج النعش بلا جثة ، خرج الصندوق خفيفا وكأنه استراح مما كان يحمله...لحقت نظراته بعيدا حتى غاب صندوق الموتى بين صناديق الأحياء..وبعد نصف ساعة بدأ المشيعون في الخروج من المقابر..والكل يتبادل نفس النظرات كما دخلوا ..حتى تجرأ أحدهم وأقترب منه وسأله : لماذا لم تحضر دفن عمك ؟.
- تمت -