الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.فتحي حسين يكتب: بزنس الصالونات الثقافية

صدى البلد

لعبت الصالونات الثقافية في العالم العربي، دورا هاما في إعلاء شأن القراءة وتحفيز الموهوبين من الشباب على تقديم مواهبهم في كافة المناحي الثقافية والإعلامية والسياسية والاقتصادية،  باعتبارها قنوات غير رسمية تساهم في تسليط الضوء عليهم.

ربما كان أقدم صالون عرفه التراث العربي هو لسكينة بنت الحسين رضي الله عنها، حيث كان يجتمع في بيتها العلماء والفقهاء وأهل الأدب واللغة ويناقشون القضايا العلمية الشائكة التي كانت تشغل المسلمين آنذاك، "وكان يقصدها الشعراء، يحكمونها في الأقوال والأشعار في بيتها في المدينة وكان لها رؤيتها النقدية البصيرة المبررة فلم تكن تصدر حكمها النقدي إلا بعد معايشة النصوص التي تحفظها أو تعرض عليها وتوازن بينها، فقد قصدها الفرزدق في المدينة فواجهته بتفضيل جرير عليه".

عرفت فرنسا الصالون الأدبي في القرن السابع عشر وكثرت الصالونات في القرن التالي له، واكتسبت طابعا عالميا، وكان يقوم عليها سيدات اتصفن بالذكاء والألمعية والثقافة والجمال، والحس الاجتماعي الرهيف. وكانت هذه الصالونات تجمع ألوانا من المتع الحسية والفكرية، من أدب وفكر وثقافة وفنون، وأصبحت سوقا لتبادل الآراء، ومجالا رحيبا للأحاديث المتنوعة، وتتناول كل جديد وطريف، من استعراض «مودات» الأزياء إلى الأفلاطونية الحديثة، ومن أدب رفيع إلى مناقشة قواعد الإملاء, و بعض هذه الصالونات لعبت دورا بالغ الأهمية في إلقاء الأضواء الكاشفة على الآداب الأجنبية، ودفع الأدباء المغمورين إلى عالم الشهرة والخلود. وخارج فرنسا اشتهر صالون الدوقة مارزين في لندن في القرن السابع عشر، ومثله صالون ليدي هولاند في القرن الذي تلاه. وفي عام 1750 أنشأت مدام نوردان فليشت أول صالون أدبي في ستوكهولم عاصمة السويد.

بلغ تأثير الصالونات الأدبية الفرنسية إلى البلاد العربية، وبالضبط في القاهرة، حيث ظهر أول صالون في قصر الأميرة نازلي فاضل بنت الأمير مصطفى فاضل، وكان يتردد على صالونها كبار المصريين والأوروبيين، ومنهم الإمام محمد عبده، وسعد زغلول، وقاسم أمين، ومحمد المويلحي وآخرون ممن ساهموا في تطور الحياة الثقافية والاجتماعية في مصر.

ولكن البعض يشبّه بعض الصالونات التي يقوم علي إعدادها بعض رجال الأعمال بأنها صالونات خاصة للنفاق الإعلامي والسياسي لصاحب الصالون الذي يمتلك وسيلة إعلامية أو أكثر تمكنه من انتشار هذه الصالونات إعلامية إلي أكبر عدد من النخبة والحكومة وصاحب القرار السياسي في هذا البلد وحتي تكون بمثابة وسيلة للدعاية غير المباشرة لأنشطتهم في الدولة والعمل علي تذليل كافة الصعاب الروتينية لهم.

ومن ناحية أخري فرض موضوعات بعينها للطرح في وسائل الإعلام المختلفة لخدمة مؤسساتهم الخاصة،  وذلك من خلال استدعاء عدد من المشاهير والصفوة وبعض الكتاب الصحفيين ومن كانوا يتقلدون مناصب ومراكز في عهد الرئيس الأسبق مبارك.

ولكن في الوقت الحالي انتشر نوع جديد من الصالونات ليس من اجل التثقيف فقط وإنما بهدف النفاق الإعلامي لصاحب الصالون, مثلما يقيم أحد رجال الأعمال صالونا شهريا يضم عددا كبيرا من المشاهير في الفن والسياسة الاقتصاد والرياضة للحديث في موضوعات معينة جميعها تصب في خدمة صاحب الصالون -رجل الأعمال- من أجل أن يقدموا له القرابين والولاء والشكر والمدح والثناء علي أنه دعاهم إلي هذا الصالون الفريد من نوعه !

وليس غريبا أن تحتضن مثل هذه الصالونات بين حيطانها أسرارا وكواليس لا يعرفها أحد وتنسج داخلها علاقات وربما تربيطات تتم بعض الحاضرين فيها أسوة بباقي الصالونات التي تجري في أماكن أخري, كما تتناسل حولها شائعات، بعضها يحتمل الصدق وأغلبها يبقى مجرد شائعات أو تأويلات شخصية، ولا شك أن أجواء الصالون وطريقة التعامل مع الحاضرين، تلعب دورًا مهمًا في منحهن شعورًا بأهميتهن وقيمتهن، بدءًا من طريقة الاستقبال إلى طريقة الوداع، وهذا ما يزيد من إحساسهن بالأمان والثقة، ومن ثم تتحول الزيارة الأسبوعية إلى جلسة حميمة.. وكان من بين الحاضرين الصالون الشهير لرجل الأعمال "الاسمنتي" أساتذة جامعات ووزراء سابقين من عهد مبارك وإعلاميين معروف اتجاهاتهم من أجل تأييد كل مشروعات رجل الأعمال صاحب الصالون ومن أجل الدعاية للجامعة التي يمتلكها صاحب الصالون ومن أجل مناقشة بعض المشكلات التي تواجه مالك الصالون وجميع الحضور من الفنانين والصحفيين والوزراء السابقين وبعض الحاليين والمشاهير, يثنون علي مواقف رجل الاعمال صاحب الصالون ومشروعاته ومساندته للدولة والحكومة وحكمته ورؤيتها المتميزة ...الخ .نحتاج صالونات جادة وحقيقية تقام للمناقشة الهادئة لا حولنا ونستمع فيها إلي بعضنا بحجة والاقتناع دون الصراخ والضجيج الذي ليس له طحين.