الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ماسبيرو المُفترى عليه: شمس لن تغيب (2)


انهيت مقالي الأول عن ماسبيرو بقولي: "إذا كانت إذاعة البرنامج العام، هي المحطة الأم، التي انطلقت منها كافة الخبرات والكفاءات إلى الإذاعات الأخرى بماسبيرو، إلا أن أعظم ما حققه ماسبيرو في مجال الإذاعة بعد بناء وتشكيل الوجدان العربي هو تصدير الكوادر الإذاعية المصرية إلى كافة الإذاعات العربية الوليدة..." ووجهت حديثي إلى أصحاب الأقلام السوداء والعقول المنغلقة والأبصار الزائغة التي لا ترى سوى بريق المال والشهرة على حساب شرف المهنة وسموها؛ الذين يهاجمون ماسبيرو عن عمد ليل نهار، متناسين أن ماسبيرو هو المدرسة الأم التي قدمت أعظم المثقفين والفنانين والإعلاميين على مستوى مصر والوطن العربي." أقول إلى هؤلاء ما قاله شاعر النيل حافظ إبراهيم:
وبـناة الأهرام فـي سالف الدهر كفــوني الكلام عند التحـدي
أنــا تـــــاج العـــــلاء فـي مفـــرق الشــرق ودراتــــه فــرائـد عقـــدي
إن مجدي في الأوليات عريق من له مثل أولياتي ومجدي
أقف في رحلة ماسبيرو الإذاعية عند إذاعة القرآن الكريم، ففي مارس 1964 أطلق ماسبيرو إذاعة القرآن الكريم، كأول إذاعة عربية مخصصة للقرآن الكريم والسنة وكافة علوم الدين، بعد أن وافق جمال عبد الناصر على فكرة د. كامل البوهي مؤسس هذه المحطة الإذاعية الفريدة، التي تبث ليل نهار أصوات كبار مشايخ مصر من المقرئين إلى كافة أرجاء المعمورة، منهم الشيخ محمد رفعت والحصري والمنشاوي ومصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد وغيرهم. وهكذا، لعب ماسبيرو دورًا مهمًا في تثبيت أركان الإيمان بقلوب المسلمين كافة، لاسيما بين من يجهلون القراءة والكتابة، وتبسيط وشرح علوم الدين لهم دون غلو أو زيف أو تحريف؛ وهو دور لم يكن لدى رجال الدين الإمكانيات اللازمة للقيام به داخل كل بيت من بيوت مصر المحروسة؛ كما كان لماسبيرو الفضل أيضًا في أن تنتهج الإذاعات العربية نهجنا وتنشيء إذاعات مخصصة للقرآن الكريم وعلوم الدين.
أما إذاعة الشرق الأوسط، التي أطلقت من ماسبيرو في مايو 1964م فقد جذبتنا جميعًا بلا جدال، حيث اتسمت بجرأة الطرح وسرعته وخفة دمه ورشاقته. فمن منا لا يتذكر صوت الإذاعية القديرة إيناس جوهر، وهي تمتعنا ببرنامجها المتميز "تسالي" وجملتها المشهورة: "الدنيا هي الشابة وانت الجدع، تشوف رشاقة خطوتك تعبدك، لكن انت لو بصيت لرجليك، تقع، عجبي!"
وفي رحلة ماسبيرو الإذاعية لتطوير الأداء والسمو برسالته الإعلامية لتناسب كافة أذواق المستمعين قررت الإذاعة أن تبث محطة إذاعية مخصصة للشباب والرياضة في أكتوبر 1975، وبعد إعادة افتتاح قناة السويس للملاحة العالمية، ربما لتستنهض همم الشباب وعزائمهم آنذاك نحو بناء مصر الحديثة، وتشجيعًا للرياضة والعمل على نشرها.
وفي أبريل عام 1981 تم إفتتاح إذاعة القاهرة الكبرى، التي بدأت تبث برامجها لإقليم القاهرة الكبرى من مبنى الإذاعة القديم في الشريفين، برغم أن الإذاعة المصرية كانت قد انتقلت كاملة إلى مبنى ماسبيرو العملاق مع إفتتاح التليفزيون المصري عام 1960. وتطورت إذاعة القاهرة الكبرى لتصبح مدرسة متميزة في الفن الإذاعي تغطي معظم فضاءات الجمهورية.
إن المتتبع لدور ماسبيرو الإذاعي في بناء وتشكيل الوجدان العربي، منذ إنطلاق الإذاعة الرسمية عام 34 وحتى الآن، سيكتشف للوهلة الأولى أنه هرم رابض على ضفاف النيل، ينبض بالحياة ليل نهار، ديدنه حوار العقل والوجدان معًا؛ ولن يدرك المرء حجم منجزات ذاك الهرم العملاق إلا من يقف أمامه وينظر إلى قامته فيدرك حينئذ مدى سموه وحجم شموخه؛ أما أولئك الذين يحلو لهم النظر إلى بعض البثور المتناثرة على جدران البنيان وكأنها أورامًا استعصت على الأطباء، أقول لهم سيظل ماسبيرو تـــــاج العـــــلاء فـي مفـــرق الشــرق ومحطاته فــرائـد عقـــده.


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط