الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خالد زلط يكتب: البراءة للحكومة والسجن للشعب

صدى البلد

"الحكومة هى السبب" العبارة التي دائمًا ما يرددها المصريون ولا يخجلون أبدًا من تكرارها، فأسهل شيء في وقتنا الحالي هو إعفاء النفس من أى تهمة وإلصاقها بالغير، وأنا هنا لكي أقوم بتجديد السؤال وتصحيح الإجابة: "ما السبب في الانهيار الذي حدث خلال السنوات الأخيرة وأدى بنا إلى تلك الهزة الاقتصادية العنيفة؟؟".

ولكى نكون مُنصفين في الإجابة، سوف نرجع قليلًا إلى الوراء وتحديدًا بعد ثورة 25 يناير "أقصد نكسة 25 يناير 2011"، بعد ذلك التاريخ تحديدًا تعرت الدولة المصرية تمامًا من كل مؤسساتها وأصبح الشعب هو الآمر الناهي، عرشه ميدان التحرير ورؤسائه النشطاء السياسيين (نشطاء السبوبة)، فأسقط الشرطة بالضربة القاضية دون أن يعلم خطورة ذلك، وخلع رئيسه مبارك بشكل دراماتيكي ولم يلتفت إلى كارثة قد تحدث اسمها "الفراغ السياسي"، ثم تحول إلى جيشه فغازله مره وتحرش به عشرات المرات، ولولا ستر من الله لأصبحنا مثل سوريا.

لن أتطرق إلى الأمور السياسية فهي كثيرة، ولن يسعنا الحديث عنها لكن سوف أتناول ما يخص الشأن الداخلي وكيف تعاملنا معه كشعب كان يُفترض بنا أن نكون يدًا واحدة وقت الشدة والأزمات، وسوف أذكرها في عُجالة: التعدي على الأراضي الزراعية وتحويلها لمساكن، وبناء الملايين من الأدوار المخالفة الغير مصرح بها في جميع محافظات مصر، وعشرات الاعتصامات والإضرابات التي لم تخل منها أى شركة أو مصنع، والتحرش الجنسي في الشوارع، وسيطرة الباعة الجائلين على الميادين الرئيسية، وزيادة الأجرة من قبل السائقين بحجة تردي الأوضاع وزيادة أسعار المحروقات، وكثرة محاضر الشرطة للمواطنين ضد بعضهم البعض، وتكدس قضايا الطلاق والخلع في المحاكم، وارتفاع أسعار السلع الغذائية دون سبب من قبل البائعين، وعدم دفع فواتير الكهرباء لمدة طويلة وصلت إلى عامين، ومحاضر السرقة والغش والرشاوي، كثرة الشائعات على "فيس بوك" والحديث بشكل غير لائق عن الرموز السياسية، والعبارات التحريضية ضد مؤسسات الدولة، وكثرة الفتاوى الدينية الغريبة والتعدي على الكنائس، وتجارة الآثار والجرائم المرتبطة بها، وأخيرًا العملة.

بعد كل هذا السيل من التجاوزات، نزل الشعب في "30 يونيو" مرددًا "إضرب يا سيسي" كأنه المظلوم المفترى عليه، أليس هو من أفسح المجال لطيور الظلام للتحليق عاليا في السماء، أليس هو صاحب الإضرابات والاعتصامات التي خلقت الفوضى وجرعت مصر خسائر فادحة خلال العامين من 2011 حتى 2013، أليس هو من فتح الباب على مصراعيه لنشطاء السبوبة وجعلوهم زعماء حتى أصبح لهم صوت مسموع.

لو كنت قاضيًا وتمثل لى الحكومة والشعب في صورة شخصين وراء قفص الاتهام لحكمت على الأول بـ "البراءة" والثاني بـ "السجن المشدد" وربما "الإعدام"، مشكلة المواطن المصري أنه ملأ معدته في عهد مبارك حتى أصيب بالتخمة والكسل وهذه هى التهمة الأولى، ثم نام بعدها ثلاثين عامًا دون عمل وهذه هى التهمة الثانية، وأخيرًا استيقظ مثل أهل الكهف ليبدأ مرحلة الجنون وهى "نكسة 25" وهذه هى التهمة الثالثة والكفيلة بإعدامه، "إنه شعب مصر"، شعب مصر الذي لا يخجل أبدًا لتبرئة نفسه من أى ذنب، وإن كنت غير مقنعًا فيما أقول فلدي ما يثبت صحة كلامي، فالمصري هو الشخص الوحيد في العالم الذي يستبدل كلمة "دين" بـ "ديك" في "سب الدين" للهروب من الإثم العظيم، متناسيًا أن النية محلها القلب، فـ "سب الديك" هو نفسه "سب الدين".

نعم كان هناك فساد في عهد مبارك، وكان هناك العديد من التجاوزات في حق المواطن، لكن "هل يعقل أن نحرق البيت بأكمله لنتخلص من صرصار؟!"، هذه هى الإجابة "كل أمة فاسدة ورائها شعب فاسد"، أتذكر جيدًا كلمة الرئيس الراحل محمد أنور السادات "إن مشاكل بلادنا كثيرة، وكل مشكلة قابلة للحل، لكن الحل يحتاج إلى وقت، ويجب أن نبدأ بأنفسنا أولًا، وأنا أكررها كل مشكلة مهما عظُمت قابلة للحل لكن يجب علينا أن نبدأ بأنفسنا أولًا"، وأنفسنا هم "أولادنا" إنها البذرة التي يجب أن نرويها بالقيم والمبادئ والأخلاق، يجب أن نعلمهم مبادئ الدين الصحيح والاستفادة من تجارب الشعوب وحرصها على تكون في ازدهار مستمر، يجب أن نعلمهم أن الدين ليس صلاة وصوم فقط وإنما صلاة وصوم وعمل وكفاح، ولا معنى لكل هذا بدون الحب، بسم الله الحمن الرحيم "مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ".