الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مجدى بكرى يكتب : شتاء «أصفر» ساخن!!

صدى البلد


أعتقد انه ما عاد ينبغى أن نطلق على ما يحدث فى فرنسا هذه الأيام أنه مجرد مظاهرات بل هى ثورة حقيقية مكتملة الأركان، ونستطيع أيضا أن نعتبر ذلك أيضا مؤشرا لبداية «شتاء أصفر ساخن» فى أوروبا على غرار ما شهدته دول الشرق الأوسط وما عانته من «الربيع العربى» الذى صدروه إلينا وأشادوا به حينها.

والظاهر للعيان أن المسألة باتت أكبر بكثير من مجرد اعتراض على زيادة أسعار المحروقات بنسبة ٪10 كما بدا عند اندلاع المظاهرات، فالشراره التي انطلقت في باريس وسرت كالنار فى الهشيم، أشعلت الكثير من النيران وبدأت فئات أخرى تنضم لأصحاب السترات الصفراء، فقد انضمت للمظاهرات الحركة الطلابية التى تشمل تلاميذ المرحلتين الثانوية والجامعية وأيضا انضمام نقابات وعمال السكك الحديدية والمترو والمزارعين وأصحاب المعاشات التقاعدية مما يهدد بكوارث وخيمة فى الأفق القريب.

وما يتضح من تداعي الأحداث أن هناك تشابه كبيرمن عدة جوانب بين ما يجرى الآن في ساحات باريس وما كان يجري في ميادين القاهرة في يناير 2011 .. حتي قرارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتأخرة تتشابه الي حد كبير مع القرات المتأخرة التي كان لجأ اليها الرئيس الأسبق مبارك وكانت ستكون لها تأثير كبير لو كان كل قرار منها تم اتخاذه قبل الموعد بعدة أيام.

التشابه الأول بالطبع هو تركيز المتظاهرين علي الميادين الكبري وذلك لإصابة العاصمة بالشلل المروري، ويبدو ان ذلك من بين الدروس المتعارف عليها في تدريس الاحتجاجات، وذلك كما شاهدنا في مقاطع الفيديو التي انتشرت بعد أحدث يناير لمن أطلق عليهم آنذاك «نشطاء سياسيين» وكانوا يتلقون دروسا وتدريبات في أوكرانيا وتركيا وقطر ودول أخرى تتضمن هذه النصائح لكيفية إشعال الثورات.

التشابه الثاني ما ورد الينا من صور وفيديوهات تناقلتها وكالات الأنباء تصور مواجهة الشرطة الفرنسية لتلك المظاهرات بإطلاق قنابل الغاز وخراطيم المياه واستخدام الهراوات، ورد المتظاهرين بإلقاء الطوب والزجاجات الفارغة وإقامة المتاريس في الشوارع.

أما التشابه الثالث فهو انتقال شرارة المظاهرات الي البلدان المجاورة، فمثلما انتقلت الأحداث الساخنة من تونس إلى القاهرة وبعدها انتشر ما سمى بـ«الربيع العربي» في عدة دول عربية ما زالت تعاني من آثاره حتي الآن كسوريا مثلا .. انتقلت المظاهرات إلى بلجيكا بنفس السيناريو الأصفر أيضا، حيث تم القبض علي 400 متظاهر من أصحاب السترات الصفراء في الشتباكات مع الشرطة البلجيكية احتجاجا على ارتفاع أسعار الوقود أيضا.

التشابه الرابع هو اتهام الحكومة الفرنسية للمتظاهرين بأن من بينهم مندسين وأصحاب «أجندات» خاصة، وانه توجد عناصر أجنبية وأحزاب متطرفة تحرك الأحداث وجماعات غريبة مثل «بلاك بلوك»، .. وقد اتضح بعد ذلك في مصر أنه كان يوجد بالفعل أشخاص لهم أجندات وتمويلات أجنبية وكانوا يتخفون بين المتظاهرين..

التشابه الخامس هو انتشارالحرائق والفوضي وسرقة المحلات وما نتج بعد ذلك من انتشار حالة من الفزع والخوف وترحيل الأجانب وضرب للموسم السياحي .. فباريس الآن أصبحت مدينة للأشباح وتعاني لأول مرة منذ سنوات طويلة من اختفاء أى مظاهر للاحتفالات الصاخبة بالعام الجديد.

التشابه السادس هو ارتفاع مطالب المتظاهرين والتصعيد المتتالي لهذه المطالب، فرغم تراجع ماكرون عن قراره ، وتجميد قرار رفع أسعار المشتقات النفطية والغاز والضرائب والكهرباء بل وارتداءه للسترة الصفراء لتوجيه رسالة للمتظاهرين انه معهم وليس ضدهم ، وحثه للمؤسسات علي تقديم علاوات للموظفين لرفع قدرتهم الشرائية إلا أنهم أعلنوا انهم لن يرضوا بالفتات ويطالبون الآن بزيادة الحد الأدني للأجور والمعاشات التقاعدية وخفض الضرائب التي تثقل كاهلهم، وتصاعد سقف طموحاتهم إلى حد المطالبة باستقالة ماكرون نفسه ويطالبون أيضا بحل المجلس النيابي.

ان ماكرون اليوم يوجد نفسه ـ بعد 16 شهرا من توليه منصبه ـ في موقف لا يحسد عليه فقد هبطت شعبيته إلى الحضيض.. وهو لا يستطع الاستمرار في تنفيذ برنامجه الذى كان ينوي تنفيذه ولا يستطيع أن يخرج عن القواعد الاقتصادية المتبعه في الاتحاد الأوروبى ولا يستطيع التنازل أكثر من ذلك أمام المتظاهرين، وأيضا لا يستطيع استعمال العنف تجاههم واعتقد أن كل المؤشرات تؤدى إلى أنه سيضطر مرغما في النهاية إلى تقديم استقالته ولكن بعد أن اهتزت صورة فرنسا جدا ونالها الكثير من التدمير والخراب وبعد أن تأثرت فرنسا سياسيا واقتصاديا بهذه الأحداث.