حطين ودمياط والمنصورة .. 3 معارك خالدة كسرت أنف ملوك الصليبيين

بين ثنايا التاريخ هناك الكثير من المعارك التي تعد علامات بارزة في تاريخ الجيش المصري،قد يكون بعضها معروفا من كثرة الحديث عنه، والآخر رغم أهميته قد لا يكون معروفا بالقدر الكافي.
الدكتور محمد أحمد عبد اللطيف استاذ الآثار الإسلامية والقبطية بجامعة المنصورة ومساعد وزير الآثار السابق، كشف عددا من أشهر المعارك الحربية المصرية في العصر الأيوبي، وذلك في كتابه "الجيش والأسطول المصري في العصر الإسلامي"، الصادر عن دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر بالاسكندرية، ومنحته عنه جامعة المنصورة جائزتها التشجيعية".
البداية أتت من موقعة حطين، حيث كان أرناط الأمير الصليبى يحكم حصن الكرك جنوبى البحر الميت، وكان لا يستطيع أن يحيا هادئًا دون أن ينهب ويسرق،ولذلك لم يلبث أن انقض فجأة على قافلة كبيرة للمسلمين كانت متجهة فى أواخر سنة 582 هـ/ 1186م وأوائل سنة 583 هـ/ 1187م من القاهرة إلى دمشق واستولى على كل ما تحمله من ثروة وبضائع وأسر رجالها فى حصن الكرك وقام بتعذيبهم.
وحينها أرسل صلاح الدين، إلى أرناط مهددًا طالبًا منه رد الأسرى والغنائم،لكن أرناط رفض فلم يبق أمام صلاح الدين إلا الحرب،ودارت المعركة الأولى بين المسلمين والصليبيين قرب صفورية فى مايو 583 هـ/ 1187م وفيها سقط معظم الجيش الصليبى بين قتلى وأسرى ، وبعد ذلك هاجم صلاح الدين طبرية وكان يهدف أن يجبر الصليبيين على ترك مواقعهم عند صفورية.
وتعتبر موقعة حطين دون شك نقطة تحول خطيرة فى تاريخ الحروب الصليبية، ونتج عن هذه المعركة الهامة عودة بيت المقدس إلى المسلمين والعرب ودخلها صلاح الدين الجمعة فى ليلة ذكرى الإسراء والمعراج سنة 583هـ، واحتفل المسلمون بهذه المناسبة الدينية فى بيت المقدس وأحسنوا معاملة الصليبيين، مما جعل كثيرًا من المؤرخين الأوربيين يشيدون بتسامح صلاح الدين وبالفرق بين معاملته للمسيحيين ومعاملة الصليبيين للمسلمين عندما استولوا على بيت المقدس سنة 491 هـ/ 1097هـ.
وهناك أيضا كما جاء بالكتاب معركة دمياط،حيث قام الصليبيون بمهاجمة مصر عن طريق مدينة دمياط، فوصلوها عام 615 هـ/ 1218م،وكان جيشهم يضم 70.000 فارس و400.000 جندى،وحفروا حول معسكرهم خندقًا وأقاموا عليه سورًا وشرعوا فى الهجوم على برج دمياط المنيع،وكان بالبر الذى نزل فيه الصليبيون جزيرة محاطة بالنيل من جهة وبالبحر المالح من الأخرى.
وكانت الجزيرة تعرف باسم جزيرة دمياط وكان المسلمون محاصرين حصارًا شديدًا من البحر والبر،ولما بلغ الملك الكامل نزول الصليبيين إلى دمياط خرج بمن معه من العساكر،وسار فى جمع كبير وخرج الأسطول فأقام تحت دمياط ونزل السلطان بمن معه من الجنود بمنزلة العادلية قرب دمياط،وإمتدت عساكره إلى دمياط وقام الملك الكامل والجيش المصرى بقتال الصليبيين قتالًا شرسًا عن دمياط وأمر الملك الكامل أن يغرق عددًا من المراكب فى النيل حتى يمنع الفرنجة من عبور النهر.
وسرعان ما تجمد الصليبيون عند بلدة البرامون حيث لم يستطيعوا العودة إلى دمياط ولا يستطيعون القتال فى الوحل،بعد أن بلغت المياه ركبهم ولم يبق أمامهم سوى الصلح بعد أن قاربوا على الهلاك،فأرسلوا إلى السلطان الكامل سنة 618 هـ/ 1221م يعرضون استعدادهم لترك دمياط والجلاء عن البلاد،مقابل السماح لهم بالخروج من المأزق الذى وقعوا فيه وتركهم يعودون إلى بلادهم سالمين.
وقبل الملك الكامل هذا العرض على شرط أن يبعثوا إليه برهائن من ملوكهم يبقون لديه حتى يسلموا دمياط،فوافق الصليبيون على ذلك وأرسلوا إلى الملك الكامل عشرين من كبرائهم وعلى رأسهم حنادى برين نفسه قائد الحملة الصليبية الخامسة على مصر،والتى فشلت بفضل الله وبسالة وشجاعة جيش وأسطول وأبناء مصر وإستماتتهم فى الدفاع عن كل شبر من أرض الوطن.
عبد اللطيف في كتابه كشف أيضا حكاية معركة المنصورة،حيث عاود الصليبيون محاولاتهم المستميتة لغزو مصر،فخرجت الحملة الصليبية السابعة بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا عام 646 هـ/ 1248م من أوروبا،ووصلت إلى جزيرة قبرص حيث قضى بها الصليبيون بضعة أشهر،حصلوا فيها على مزيد من المساعدات ومواد التموين،حتى استقر الرأى أخيرًا على مهاجمة دمياط،فأبحرت الحملة إليها فى مايو سنة 647 هـ/ 1249م.
وعندما وجد لويس التاسع أن دمياط قوية التحصين بحيث يتعذر عليه النزول على برها،قرر النزول على الضفة الغربية للنيل المواجهة لدمياط الخالية من وسائل الدفاع،فتملكها الفرنجة بغير قتال فى 6 يونيو سنة 647 هـ/ 1249م،ولم يكد الصليبيون يشرعون فى الزحف على دمياط جنوبًا حتى توفى السلطان الصالح نجم الدين أيوب فى المنصورة 647 هـ/ 1249م،وأخفت زوجته شجر الدر خبر موته،ولم يعلم بذلك غير قائد الجيش فخر الدين بن الشيخ.
وقد أخذ الصليبيون يعبرون بحر أشموم وبادروا باقتحام المنصورة وتقابلوا مع الجيش المصرى،وكان الموقف خطيرًا حتى أطلق أحد المؤرخين على ذلك اليوم "يوم الكبسة"،لكن الجيش المصرى ثبت فى الميدان ضد الصليبيين،بل وهاجموهم هجومًا شرسًا زعزع الصليبيين وهدم بنيانهم فسقط من الصليبيين فى هذه المعركة ألف وخمسمائة قتيل وولوا منهزمين.
وبرغم هذا استجمع الصليبيون قواهم مرة أخرى وزحفوا على المنصورة عام 648 هـ/ 1250م،لكن الجيش والأسطول المصريين تآلفًا ووقفا فى وجه الغزاة،ودارت معركة نهرية قبالة المنصورة مع أسطول الصليبيين،وأسفرت عن وقوع 32 مركبًا من مراكب الصليبيين فى قبضة المصريين وقتل30.000 جندي منهم،وكان من جملة الأسرى ملك الصليبيين لويس التاسع نفسه،الذى سيق مكبلًا بالأغلال وبعد ذلك تم سجنه فى دار ابن لقمان بمدينة المنصورة.
وبعد ذلك دارت مفاوضات بين المصريين والفرنسيين وطالب المصريون مبلغا ماليا ضخما لفداء الجيش الفرنسى والملك لويس التاسع نفسه،على أن يكون تسليم دمياط ثمنًا لفداء الملك الفرنسى،وبالفعل تم دفع مائة مليون فرنك للفدية وإخلاء دمياط ،وتم عقد معاهدة بين المصريين والفرنسيين على الصلح 10 سنوات وأقسم الطرفان على شروط الصلح.
وهكذا نجد أنه بفضل بسالة الجيش والأسطول المصرى فى هذا العصر فقد تم حماية الإسلام والمسلمين والعروبة من خطر الهجمات الصليبية التى لو نجحت لتغير مجرى التاريخ ولكن هذا لم يحدث بفضل الله أولًا ثم مصر وجيشها ورجالها وأبطالها