إحداهن اتهمت بإفساد الناس.. مغنيات في بلاط السلاطين.. صور

"عظمة علي عظمة يا ست".. بمجرد أن تسمع تلك العبارة يرد إلى ذهنك فورا صورة وذكري كوكب الشرق أم كلثوم، التي أطربتنا بأغان خالدة ونذكرها جميعا حتي الآن.
ولم تكن أم كلثوم أول ولا آخر النساء اللاتي اتخذن من الغناء مهنة لهن اعتمادا علي موهبة يتمتعن بها، إلا أن التاريخ يذكر كثيرات عملن في الغناء والموسيقي قبل مئات السنوات،وهناك مجموعة من مقتنيات المتحف الإسلامي تؤكد ذلك بالدليل القاطع.
ومن القطع الموجودة بالمتحف الإسلامي تمثال صغير من البرونز يحمل إسم"ضاربة الدف"ويرجع للعصر الفاطمي القرن 5 هجري/11ميلادي، والتمثال يعرف أيضا بإسم"طبالة"، ويرجح أن صاحبته هي التي بشرت الخليفة المستنصر الفاطمي بتمكين حكمه للبلاد.
كما يوجد بالمتحف طبق خزفي من العصر الفاطمي عليه منظر مرسوم لسيدة ذات ملامح آسيوية تعزف علي آلة العود الموسيقية،كما أن قاعة الحياة اليومية في المتحف بها مجموعة من الآلات الموسيقية التي كانت تستخدم في مجالس الطرب عبر عصور مختلفة،وكانت تشارك فيها النساء بالعزف والغناء.
وكانت الموسيقي والغناء من المهن التي إشتغلت بها النساء منذ العصر الفاطمي، وشجع السلاطين المغنيين والمغنيات، ولاقي الغناء حينها إعجاب الجميع حتي علماء الدين.
وفرضت الدولة علي المغنيين والمغنيات في ذلك العصر ضريبة عرفت بإسم ضمان المغاني ،فكانت مصدرا كبيرا للأموال بالنسبة للدولة،وقد أبطل ضمان المغاني في عهد السلطان الظاهر بيبرس حيث ارتبط بابطال البغاء، وفي عهد السلطان الأشرف شعبان بن حسين بن محمد أبطل ضمان المغاني، لما فيه من المفاسد.
تفاصيل كثيرة ومثيرة عن حياة المغنيات وحكاياتهن وردت في دراسة بعنوان"المرأة في العصر المملوكي وأهم منشآتها الأثرية"،للدكتورة ولاء النبراوي مسئولة قسم التسويق والعلاقات العامة ورئيسة قسم المعادن بالمتحف الإسلامي، وكشفت خلالها عن مجموعة من أشهر المغنيات اللاتي ظهرن في عصر المماليك؛ وأول هؤلاء خديجة الرحابية وهي من أعيان مغاني مصر، وكان أصلها من مغاني العرب، وإرتقع شأنها وحظيت بمكانة كبيرة عند رجال الدولة في مصر، وكانت جميلة الشكل حسنة الغناء وفتنت كثيرا من الناس ونظم أحد الشعراء قصائد في جمالها.
وصودرت أموالها، حيث أنه في عام 886 هجري/1481 ميلادي قبض يشبك والي القاهرة عليها، وإتهمها بأنها أفسدت أعيان الناس وأمر بضربها نحو 50 عصاة، وقرر"فرض" مبلغا من المال عليها وأمر بأن لا تغني وماتت سنة 1482 م بعد أن مرضت لفترة،وكان عمرها أقل من 30 سنة وتأسف عليها الكثير من الناس.
وهناك أيضا خوبي العوادة، ويبدو من إسمها أنها من أصل تركي أو إيراني،ولم يدخل مصر مثلها في الغناء وضرب العود،إشتراها بكتمر الساقي بــ 10 ألاف دينار مصرية، وبعد موت بكتمر قامت خوبي بكسر عودها حزنا عليه،فإشتراها الناصر بشتاك بــ 6 ألاف دينار فلم تنل مكانة كبيرة عنده وماتت بعد الأربعين.
وعزيزة بنت السطوحي، وكانت من أعيان مغاني مصر، كان صوتها جميلا وبرعت في النشيد ولم تكن هناك من تماثلها فيه،كذلك تميزت بفصاحة في إعراب الشعر،ولم يخلفها أحد من النساء في المغاني،وماتت وهي في الثمانين في أوائل شوال سنة 906 ھ / 1500م.
وهناك أيضا خديجة أم خوخة وكانت من كبار المغاني المشهورين،ولها اليد الطولي في الفن وتوفيت سنة 910ھ / 1513م،والريسة بدرية بنت جريعة التي كانت من أعيان المغاني أيضا ولها شهرة واسعة بينهن،وضيفة الحموية التي أنشدت في السلطان الناصر محمد بن قلاوون أبياتا شعرية،حيث كانت تخشي عليه من الغدر وتتمني عودته سالما.
وأيضا المغنية بياض، التي عرفت أيضا بإسم قومة وكانت بارعة في الغناء،ويأنس بها الناس في مجالسهم،ولما علم السلطان الناصر بها طلبها وإحتفي بها وأصبحت من محظياته وولدت له ابنه أحمد،ثم تزوجها الأمير بكتمر بعد ذلك في حياة الناصر،ونالت شهرة واسعة في تلك الفترة.
وهيفة اللذيذة وكانت رئيسة المغنيات في عهد السلطان الغوري "906-922 ھ / 1501 - 1516 م" ،ومن الطريف أن البعض يعلل اسمها فيقول قد يكون هيفاء ثم خففت هيفة وتعني السذاجة،ويبدو أنه كان لقبا وليس إسما حقيقيا.
وحققت ثروة كبيرة في عصرها مما أثار حقد خصومها ضدها،فوشوا بها عند السلطان الذي أمر في عام 1512 م بالقبض عليها،وعوقبت بالضرب أكثر من مرة وقرر عليها 5 آلاف دينار تدفعها،واضطرت حينها إلي بيع الحلي وكل ما تملك.
كذلك المغنية إتفاق،والتي استأثر بها الناصر محمد انوك ابن محمد بن قلاوون في قصره، فقد نشأت عند ضامنة المغاني في بلبيس،ثم انتقلت إلي ضامنة المغاني بمصر ،فعلمتها ضرب العود علي يد المعلم عيد علي العجمي فبرعت وتفوقت فيه ،وعندما قدمتها الضامنة لبيت الناصر،حظيت عند ابنه الصالح إسماعيل وتعلق بها،وولدت منه وشغف بها بعده أخوه الكامل،وولدت منه أيضا وقال المؤرخون إن المغنية إتفاق لم تكن جميلة بل كانت بارعة في الغناء.