الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هشام محمود يكتب: «العلامة الهُمام أسامة الأزهري»

صدى البلد

بينما كان البعض مشغولًا بالتطاول عليه، واتهامه بالتخاذل عن نصرة الأزهر الشريف، وبينما كان البعض مشغولًا بترديد الشعارات الرنانة التي توهم صغار العقول أن أصحابها هم القائمون بواجب الدفاع عن الأزهر الشريف، وأنهم أصحاب ثغر التصدي لكل المتطاولين عليه، كان العلامة الهمام مستغرقًا في القراءة، والاطلاع، والبحث، والتنقيب، وعصف الذهن، والمراجعة، والغوص في عقول أهل العلم، وتقليب صفحات مؤلفاتهم في الليل، وشقِّ السُبُلِ وتذليلها إلى أعماق تاريخ علماء الأزهر الشريف ورجاله، يسافرُ أميالًا في معرفةِ خبرٍ من أخبارِهِم، يعكفُ ساعاتٍ مثابرًا في سبيل تحصيلِ حالٍ من أحوالِهِم، يسعى بين ذويهم بالتحفيز، وفي نفوس أقاربهم يبث الهمةَ؛ حتى يستخرج ما عندهم من أخبارٍ طواها الزمنُ، وما لديهم من جواهرَ تعاقبتْ عليها المُدَدُ، يصبر على واحدٍ، ويتحملُ الآخرَ، ويلاطفُ الصعبَ، ويشكرُ المحسنَ، ويعفو عن المسيء، يسعى في كل طريقٍ، ويقتحمُ كلَّ مضمارٍ، ويطرقُ كلَّ بابٍ، يصنعُ كلَّ شيءٍ، ويبذلُ كلَّ نفيسٍ، ويدفع كلَّ غالٍ، حتى إذا ما مرت السنون، وتعاقبت العقود، وتوالت القرون، لم يفقد أبناءُ هذا الصرحِ الكبيرِ، والكيانِ العظيمِ تاريخَهُم، وأخبارَ أجدادِهِم، وآثار آبائِهم، حتى لا يأتي على الأزهريِّ زمانٌ يفقدُ فيهِ معالمَ منهجِهِ، وآثارَ أصحابِهِ، وأنوارَ مآثرِهِم.

في الوقت الذي دندن فيه الأدعياءُ بالكلامِ الكثيرِ، كان صمتُهُ وقودًا يحرقُهُ في سبيلِ الأزهرِ الشريفِ، كان حالُهُ السهرَ، والتعبَ، والصَبْرَ، والجَلَدَ، كانت تلك هي كلماته التي يخاطبُ بها الأزهرَ الشريفَ نَفْسَهُ، مُعَبِّرًا عن وفائِهِ، وإخلاصِهِ، وحبِّه الحقيقيِّ لهذا الكيان، لم يشغلْ نفسُهُ بالحديثِ الكثير، بل قام يترجم مشاعرَهُ إلى أفعالٍ يُزْهِرُ الأزهر الشريفُ بها أبدًا، فقد وَرِثَ هو وورَّثَنا نحنُ أنَّ الأزهريّ ليس هو الذي يتكلمُ عنْ نفسِهِ، أو يتحدثُ بلسانِهِ، بل هو الذي يفعلُ، ويُجدُّ، ويجتهدُ، ويترك للتاريخ أثرًا يتحدثُ عنه إلى الأبد، وهو في أثناء كلِّ ذلك يلتزمُ الصمتَ، حتى تنطق ألسنة الناس عنه كلَّ خير، وكلَّ ثناءٍ؛ ولو بعد حين، وهو على كل حالٍ لا يلتفت إلى قدحٍ أو مدحٍ، فالله هو القصد، والوفاء هو المحرك والدافع، لقد قلتُ قبلَ ذلك أن وقتًا سيأتي يعرف فيه الناس من يعمل بحق، ممن يتكلم بما يشبه الحق! وها هو فجرُ الحقيقةِ يَظهرُ في عيونِ المنصفين.

إن "جمهرة أعلام الأزهر الشريف في القرنين الرابع عشر والخامس عشر" لفضيلة الشيخ العلامة أسامة السيد الأزهريّ، وإن كان سيظهر لها أثر كبيرٌ قريبًا، إلا أنَّ أثرَهَا الأكبرَ سيظهرُ بوضوحٍ وجلاءٍ بعد أن يفقد الأبناء المساكين كلَّ مرشدٍ، وكلَّ دليلٍ، إلا هذا السفر العظيم، فسوف يجدون فيه مرشدَهم، ودليلَهم، وملاذَهم، وموئلَهم، وسيعلم من لا يعلم حتمًا، فعندها يُوفَّى كلُّ صاحبٍ حقٍ حقَّه، وإني أشهد الله تعالى أنني لم أرَ مخلصًا للأزهرِ الشريفِ، كصاحبِ هذه الجمهرة الفريدة، واللؤلؤة المجيدة، ولولا أنه كذلك ما خبأ الله تعالى له هذا المشروعَ الذي كان من المقرر أن تقومَ به مؤسسةٌ كاملةٌ، فإذا بفردٍ واحدٍ يقوم به، لكنه فردٌ بأمَّة، وقد وَجَدَ شيخُنا في أثناء قيامه على هذا السفر العظيم من الفتحِ والتوفيقِ ما يعجبُ له الإنسانُ، فكانَ كثيرَ الحمدِ لله تعالى على ذلك، وفي الأخبار عندي ما يعجب له الجميعُ، لكنَّ لكلِّ خبرٍ أجله، وسيأتي الوقتُ الذي يميز الله تعالى فيه الخبيثَ من الطيبِ، ويظهر فيه المخلصُ وضِدُّهُ، ويعرف الناس لكل ذي قدرٍ قدرَهُ، شاءَ منْ شاءَ، وأبى من أبى، فما كان لله بقي.