قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مساجد تدعو مع الله أحزابَها


كأيتام على موائد اللئام، أغاثهم الله فجأة بمن يؤازرهم ويمسح على رؤوسهم ويشد من عزيمتهم، استقبل المصريون خطبتي الشيخ محمد العريفي كغوث من السماء، ومطر طيب يرطب هجير يُتمهم وقلة حيلتهم، بعد أن وجدوا أنفسهم تحت قصف فريق من غلاظ القلوب يتجهمهم، وبعيد ينتمي لغيرهم يتملك أمرهم، وشيوخ وما هم بشيوخ؛ يسبونهم ويكفرونهم ويشيعون الفتن بينهم، ويدّعون على الدين ما ليس فيه، وعلى الإسلام ما ينافيه.

فكان رد فعلهم على خطبة الشيخ العريفي، كما رأينا في الأيام الفائتة، مشاعر فياضة، وشعورا بأن الإسلام مازال بخير، لم يتخلَّ عن مكارم الأخلاق التي شككهم فيها لقطاء الدعوة الجدد، الذين ينفّرون ولا يدعون.. يفرقون ولا يألفون.. يحبطون ولا يحفزون.. إنها مجرد كلمات طيبة قالها الشيخ العريفي بغض النظر عن أفكاره أو انتماءاته، لكنها كشفت مصيبة مصر والمصريين التي ابتلاهم الله بها مؤخرا، وليس لها من دونه كاشفة.

أثنى الناس على كلمات العريفي بعاطفة جياشة، ومشاعر فياضة، كمن يرد التحية بأحسن منها، وكتعبير عن افتقادهم للدعاة الذين يجمعون المسلمين ويألفون قلوبهم ويخاطبون الناس كافة، وليس أولئك الذي غثوا مسامعهم وأبصارَهم، وغصوا قلوبَهم وعقولَهم عبر شهور طويلة، بتحويل الدين إلى أداة سياسية، والمساجد إلى مقرات حزبية.

فرأينا منهم بالصوت والصورة من يبيح الكذب لغرض سياسي، ومن يُحل نشوز الزوجة لمكسب طائفي، ومن "يُشرْعِن" التزوير من أجل مقعد برلماني، ومن يفتري على الله من أجل مكانة إعلامية، ومن يبيح الربا لانحيازات سياسية، ومن يحرّض على القتل لصراعات حزبية، فحولوا المساجد بعيدا عن أغراضها، مدعين أن الإسلام دين ودولة، ومدلسين على الناس أن منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده، كانت تتناول كل شؤون المسلمين، وهو قول الحق الذي يستهدفون به باطلا.

حيث لم يكن المسلمون آنذاك أحزابا سياسية يروجون لها من فوق المنابر وأثارت خطبتا العريفي في السعودية ومصر العديد من التساؤلات حول دور الدعاة الحقيقي، ودور المساجد في المجتمع المصري، بل والإسلامي ككل، لتتجلى الحقائق التي أراد لها لقطاء الدعوة الجدد، أن يحرفوها عن مضامينها، كما حرفوا الكلم عن مواضعه، وانحرفوا بالدين عن أغراضه وأهدافه ومقاصده، فأرادوا تحويل المساجد وتبديل هويتها، من بيوت لله لا يُدعى فيها لأحد غيره، إلى مقرات حزبية، يدعون فيها لأنفسهم وأصحابهم وأنصارهم وأحزابهم، ويحرّضون فيها على الكراهية والطائفية والحزبية ومعاداة خصومهم السياسيين.

وهو ما يعرّض مكانة المساجد للخطر، ومن ثم الدين والمجتمع، ويفتح الطريق لتحزب بيوت الله، فتصبح هناك مساجد لليمين المتطرف، ومساجد لليسار، ومساجد للوسط، وأخرى لليبراليين، ومساجد للعلمانيين، حيث من الطبيعي أن يذهب المسلم إلى الصلاة فلا يستمع لخطبة تلوي عنق الدين لتدعو إلى خصومه السياسيين، أو تناقض قناعاته وتوجهاته السياسية، وهو ما يفسر النزاعات المتكررة، والمشاجرات التي بتنا نسمع عنها في مساجد مصر مؤخرا، حيث سمعنا عن مصلين يقاطعون الخطيب عندما ينحرف بالخطبة ليدعو إلى فريق دون آخر، ووقعت مشاجرات في ساحات المساجد بين مؤيد ومعارض للإمام.

وهو ما وصل إلى ما وصل إليه في أحداث مسجد القائد إبراهيم بالأسكندرية، عندما لم يحتمل عدد من المصلين انحراف الشيخ عن أغراض الخطبة الدينية التي تخاطب كافة المسلمين بمختلف انتماءاتهم السياسية، ليدعو إلى التصويت بنعم على الدستور، ليتحول المسجد إلى ساحة صراع سياسي، ويتحول الخطيب من داعية كانت تجتمع خلفه كافة طوائف الشعب، إلى خصم سياسي غير مرغوب فيه بين معارضيه، وهو الخطر الآخر الذي يفقد الدعاة دورهم، فيتحولون إلى دعاة متحزبين، يصلي خلفهم أتباع أحزابهم فقط، ويهجرهم الآخرون.