الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في بيتنا قاتل


فجعنا الأسبوع الماضي، نبأ وفاة الصديق والجار دكتور علي جمال ثلاثيني واتشحت قريتنا بالسواد حزنا عليه لأنه كان شابا ودودا نادر الأخلاق والذوق والرقي والطيبة والجدعنة، وإذ بي علمت إثرها أن سبب وفاته كان تسرب غاز وهو نائم لتذهب روح الطبيب الطيب في هدوء يشبه هدوءه في حياته، كما كاد زميله الآخر في نفس المستشفى التي يعملان بها أن يفقد حياته لولا استشعار جيرانهما به وتناهي سمعهم إليه يطرق على الباب من الداخل وهو في حالة إعياء تامة ليغيثوه.
      
لم يكُن خبر وفاة الدكتور علي، وإنقاذ صديقه، بسبب تسرَّب الغاز، هو الأول من نوعه، إذ تسبّب غاز "أول أكسيد الكربون" في وفاة الكثيرين خلال الأيام والسنوات الماضية، فبعد نحو يومين من الحادث، ورد لي اتصال هاتفي من صديق يخبرني أن ٤ أصدقاء فقدوا حياتهم في شقة بطريقة مماثلة "تسرب غاز"، ليعقبه نبأ من الإسكندرية مفاده مصرع ٦ أشخاص من أسرة واحدة في منزلهم ليلًا نتيجة لذات السبب.

مطلع الأسبوع الماضي، ما لبث أن انتهت النيابة من معاينة حادث وفاة عروسين داخل حمام منزلهم، بسبب تسرب الغاز، حتى جاء الإخطار بمصرع آخرين في ظروف مشابهة وهو ما يعني وجود قاتل صامت يتحرك بيننا في هدوء، يسعى بدقة لاستهدافنا، يُريحنا ثم يباغتنا، يتسلل إلينا أمام أعيننا دون قدرة منا على التصدي له أو حتى اتخاذ أسباب الدفاع عن النفس.

الدكتور علي والأصدقاء الأربعة والأسرة الكاملة وعروستي الجيزة، وزوجيهما، وجميع ضحايا الحالات المشابهة، ممن لاقوا مصرعهم طيلة الأسابيع والشهور الماضية، في رقبة من؟!، هل نحاسب شركة الغاز على قلة الصيانة الدورية، وعدم المرور المتكرر، والإهمال في دقة التوصيلات، وعمرها الافتراضي إذا كانت السبب، أم إن هناك خطئًا بنا لم ندركه حتى الآن رغم أن من بين الضحايا من اعتقد أنه أغلق محبس الغاز قبل النوم.

أسرعت عقب تلك الوقائع كونها باتت ظاهرة، لمهاتفة صديقي "مدير إدارة الحماية المدنية بوزارة الداخلية"، للاستفسار منه عن أسباب ما يحدث، وسبل مواجهة هذا القاتل المحدد، الذي لا يحتاج إلى جهد شاق لتحديد هويته، والذي شدد على عدة إجراءات للوقاية من هذا القاتل وأولها، ضرورة فتح النوافذ والأبواب، بجانب التأكد من كفاءة سخانات الغاز والبوتاجازات من حيث مصادر التهوية وعدم انسدادها، وذلك بالكشف عنها بصفة دورية من عمال الصيانة من الشركات المتخصصة، وعدم تركيب سخانات غاز في الحمامات أو أي مكان مُغلق بدون مصدر للتهوية، ومتابعة مفاتيح الغاز أو البوتاجاز، وعدم إغلاق الشبابيك أثناء التواجد في الحمام بشكل مطول.

في أمثالنا، قالوا "الحذر ما يمنع قدر"، وأكد الله جل شأنه أنه " لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ"، لكنه أمرنا باتخاذ التدابير الاحتياطية واللازمة لحماية أنفسنا ووقاية الأمانة التي حملنا إياها، حينما قال، "وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" وفي الأخير، لا أراكم الله مكروهًا في عزيز لديكم، ورزقنا كل ما نحب فيمن نحب.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط