الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

التعليـــم.. وخناقة التطــوير


أتابع في صمت تام كل ما تشهده المنظومة التعليمية من أحداث يومية، وأرصد بعناية واهتمام بالغ كل ما يحدث من جدل وشائعات وتصريحات ومؤتمرات وقرارات وبيانات سواء كانت رسمية أو شعبية.

أشاهد من بعيد كل ما يدور، وأتحمل في صمت تام كل هذا الكم من الضجيج والجدل والانتقادات والاتهامات المتبادلة بين جميع الأطراف، تلك الاتهامات التي وصلت إلى حد اللجوء إلى فكرة تحميل الصحفيين و وسائل الإعلام مسئولية أي أزمة تحدث على الصعيد التعليمي ليصبح الإعلام هو كبش الفداء الرئيسي الذي يتم التضحية به لتهدئة الرأي العام وقت اللزوم.

أحضر المؤتمرات واستمع للوعود والتصريحات، واقرأ البيانات وأنشر كل ما بها من إيجابيات وإنجازات، ثم أعود بنفس الصمت لأنشر كل الاعتراضات والانتقادات الشعبية التي توجه للمسئولين رفضا لفكرة الاعتراف بوجود أي تطوير أو إيجابيات أو إنجازات، لأحاول الحفاظ على أدنى قدر ممكن من الحيادية وعدم الانحياز.

ومع الاحتفاظ بحالة الصمت .. أرصد بترقب وتركيز كل تفاصيل تطبيق نظام التعليم الجديد بمناهجه وامتحاناته وأنشطته وتجهيزاته ومدارسه ومعلميه، وأنشر بكل هدوء ما يحدث في هذا الإطار لحظة بلحظة.

أعلم أن سياسة الصمت الرهيب التي اتبعتها مؤخرًا قد تكون سببا في إثارة الشكوك نحوي، فحتما هناك البعض قد فسر صمتي وعدم تفاعلي ظاهريا مع منشوراتهم الغاضبة ورفضهم التام لكل ما يحدث من تغيير في المنظومة التعليمية، بأنه "تطبيل ودعم أعمى لكل ما تقوم به الوزارة حاليا .. كما أعلم أنه في نفس الوقت على مستوى الوزارة يتم تفسير صمتي وتوقفي عن كتابة منشورات ومقالات تعلن دعمي واتفاقي مع كل خطوة تخطوها الوزارة ضد منشورات الرافضين والمعترضين من أولياء الأمور بأنه خيانة وعدم تعاون مع الوزارة في جهود التطوير الحالية.

لكني قررت أن أكتب الآن لأوجه رسالة واحدة مضمونها أننا لن نتقدم خطوة واحدة للأمام وسط هذه الحرب التي شهدت كل هذا الكم من الانقسامات والاختلافات.. لن يتغير نظام تعليمنا مهما نفذنا خطط واستراتيجيات ولجأنا لأعظم التجهيزات، قبل أن يتغير الناس أنفسهم ويؤمنوا بأن التطوير صار من الضروريات وليس من الرفاهيات من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا وتقدما ملحوظا لوطننا الحبيب.

لن نتقدم خطوة إلا إذا تعلمنا جميعا (مسئولين ومواطنين وإعلاميين) أن في الاتحاد قوة وأن اليد الواحدة لا يمكنها التصفيق مهما كانت قوتها.

لن نتقدم إلا إذا تعلمنا أصول النقد والاعتراض والاختلاف في الرأي، ولن نتقدم إلا إذا كان لدينا ثقافة الاستماع لبعضنا البعض بدلا من ثقافة التعارك مع بعضنا البعض، علينا ان نتوقف عن سياسات السب والتشكيك والتخوين المتبادل .. وعلينا أن نحارب سياسة التسخين والتحريض التي جعلت أصحاب المصالح يتحكمون في عقولنا يوميا عبر مواقع التواصل الاجتماعي على مدار ال ٢٤ ساعة.

لن نتقدم إلا إذا ركز المسئول في عمله وأتقن فن اختيار فريقه المعاون واستبعد كل المقصرين والمتآمرين الموجودين حوله دون أن يشغل نفسه بأي معارك جانبية أخرى تشغله عن هدفه الأساسي .. ولن نتقدم إلا إذا ركز ولي الأمر في دوره الخاص بتربية الأبناء تربية سليمة ويترك فنيات التعليم لأهله المتخصصين ..ولن نتقدم إلا إذا توقفنا عن الإيمان بأن الدروس الخصوصية هي الضمان الوحيد للنجاح في المنظومة التعليمية.

ولن نتقدم إلا إذا تفرغ الطالب لدراسته وتعليمه فقط ويؤمن بأن عملية التعليم أكبر وأشمل بكثير من أن يتم حصرها في كونها مجرد رحلة لجمع الدرجات، فآن الأوان لأن نؤمن بأن التعليم رحلة ممتعة تضيف للإنسان من المعارف ما يمكنه من مواجهة كل ما يحدث حوله من تقدم بشجاعة وفهم وإدراك ويساعده على المزيد من الإبداع والنجاح طوال حياته .. لن نتقدم إلا إذا كان لدينا حقا مناهج موضوعة بشكل علمي لا تقوم على فكرة الكم بل تهتم فقط بفكرة الكيف و الفهم واكتساب المعارف.

لن نتقدم إلا إذا اعترفنا جميعا – مسئولين وأولياء أمور وطلاب ومعلمين - أن كل ما يحدث الآن على طريق التطوير هو مجرد تجربة من الوارد أن يكون بها أخطاء، ومن الطبيعي أن نصلح هذه الأخطاء أثناء رحلة التطوير، فنحن لن نتقدم إلا إذا أخذنا خطوات فعلية تجاه الهدف وإلا سنظل طوال حياتنا محلك سر.

لن نتقدم إلا إذا اتحدنا وشكلنا حائطا  يسد الطريق تماما أمام انتشار الشائعات والأخبار المغلوطة التي من شأنها إحباط محاولات التطوير، بدلا من استسهال الضغط على ايقونة "شير" التي غالبا ما لا نجد بعدها أي خير.

يا مسئولين ويا أولياء أمور ويا طلاب ويا معلمي مصر ... لن نتقدم أبدا إلا إذا أصبحنا على قلب رجل واحد وتحملنا معًا مصاعب التغيير وتوقفنا عن "خناقة التطوير".
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط