الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

تحويل القبلة .. وواقعنا المعاش



ستظل حادثة تحويل القبلة مدرسة إسلامية عظيمة في ذِهْن الأمة، ننهل ونتعلم منها نحن المسلمين الدروس والعبر المهمة التي لا تخلو منها، في كل عصر ومصر إسلامي، متسقة الحادثة مع واقعنا الذى نعيشه، والفائز الرابح من اتخذها قدوة يتعلم من أحداثها وأبطالها-صلى الله عليه وسلم ، ورضى الله عنهم- ما يغنى جوعه وظمأه الدينى، وما من شأنه صلاح علاقة حاله ونفسه ومجتمعه وإخوانه، والخاسر من نظر إليها كحادثة وقصة تروى ويقصها علينا كل عام أئمتنا وعلمائنا الأفاضل، وتمر عليه مرور الكرام.
علامات راسخة، بارزة للحادثة، ودروس وعبر محفورة يستخرجها علماؤنا الأفاضل من قلب الحادثة ليتعلم منها المسلم، ويتخذها زادا تنمويا، تعبديا، أخلاقيا، سلوكيا، كانت من الأهمية بمكان أن جعلت أعداء الدين -اليهود- يحسدوننا عليها، مصداقا لقول سيدنا فخر الكون صلى الله عليه وسلم: "وَإِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا، وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا، وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإمَامِ: آمِينَ".
دروس وعبر وعظات لا تنفك تنفصل عراها عن واقعنا الإسلامي المعاش،التليد والحاضر، والقادم، بأدق تفاصيله، وحيثياته، منها، بيان عظم وإجلال منزلة ومكانة نبينا عند ربه سبحانه، واستجابته وتحقيق ما يتمنى ويرجو، حين أخبرنا تعالى:"قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ "، فقد كان  يقلب وجهه في السماء، داعيا وراجياربه عز وجلان يجعل وجهه وقبلته الى الكعبة، حتى صرفه الله إليه.
ومنها بيان منزلة مدي قياس السمع والطاعة لدى الصحابة الكرام لأمر الله وتوجيهاته،يقول تعالى "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا"، ويقول تعالى:" إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، من هنا كان تنفيذهم الفورىلأمر الله،يروى عبد الله بن دينار قال سمعت بن عمر يقول بينما الناس في الصبح بقباء إذ جاءهم رجل فقال أنزل الليلة قرآن فأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فاستداروا كهيئتهم فتوجهوا إلى الكعبة وكان وجه الناس إلى الشام"، طاعة، وتسليما، وامتثالا لقول الله تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم"، وقوله سبحانه:فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيما".
كما تتجلى في الحادثة المباركة توضيح وتعريف الأمة بأعدائها من الكافرين والمنافقين وفق كل زمان ومكان: يقول ربنا تعالي: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤلاء أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا *أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا"، وقولهسبحانه عنهم: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰسَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ"، من ثمة رأينا تشكيكهم في عقيدتنا، وظنهم السيئ بالمؤمنين وبعبادتهم، إذ شككوا في مصير من مات من المسلمين قبل تحويل القبلة، وهل تُقبل صلاتهم؟ أم لا؟ وعن جزاء صلاتهم السابقة نحو بيت المقدس، مدعين أن صلاتهم السابقة إلى قبلة بيت المقدسكانت اجتهادا من النبى بغير وحي من الله؛ لذا لن يُثابوا عليه بل قد يعاقبون، وهذا ما نراه دائما في مجتمعاتنا المسلمة وقت المحن، وإزاغة الأبصار، وبلوغ القلوب الحناجر،من بروز فئةالمنافقين،المشككين،المخذلين، المثبطين للهمم، فيبدأ هؤلاء في التشكيك والظن في الثوابت.
فحينها قالت اليهود: "ما لمحمد يعيب ديننا، ويتبع قبلتنا، انتظروا قليلا، فكما اتبع قبلتنا سيتبع ديننا"، وشككالمنافقونقائلين: "ما لمحمد يزعم انه على ملة ابراهيم ثم يترك قبلته، ولو كانت الاولي صحيحة، فلماذا تحول عنها؟ وان كانت باطله، فلماذا صلي على الباطل وترك الحق؟ وما مصير من صلي الي القبلة الاولي ومات"، فأنزل الله تعالى " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا"، وهؤلاء هم السفهاء الذينقال الرب العلى فيهم: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
تعلمنا أيضا حادثة تحويل القبلة أهمية وحدة المسلمين، إذ يجمعنا ديننا الإسلامي في فرائضه وعباداته، في المشرق والمغرب،فنتجه في صلواتنا الخمس اليومية، وفي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام، على الرغم تباين ألسنتنا وألواننا وجنسياتنا، لنعلم جميعا -نحن المسلمين - أننا جسد واحد مرصوص، وصدق نبينا:"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، فتأتى الحادثة المباركة لتعلمنا أن وحدة الأمة هدف وغاية، وأن اتحادها في كل شئون حياتهم الدينية والدنيويةأهمية وضرورة قصوى لا غنى عنها، وأن أعداءنا يهابون ويخشون تلك الوحدة، ولا يريدون أن تقوم لها قائمة، من ثمة وجدنا لورانس براون يؤكد: "إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرا، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير"، وهذه بروتوكولات حكماء صهيون تخبر: " إننا لن نستطيع التغلب على المسلمين ماداموا متحدين دولا وشعوبا تحت حكم خليفة واحد، فلا بد من إسقاط الخلافة، وتقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات ضعيفة لا تستطيع الوقوف في وجهنا فيسهل علينا استعمارها"، وهذا ما كان للأسف، والمعذرة الى الله ربنا ونبينا.
وأختم بمقولة فضيلة الدكتور عادل عبدالله هندى-لله دره- عضو هيئة التدريس بجامعة الازهر الشريف، أننا بحاجة الى تحول ينشده إسلامنا من حادِثِ تحويل القِبْلة: تحول القلوب من اليأس إلى الأمل،تحوّل القلوب من الفرقة إلى الوحدة والتكامل، تحوّل القلوب من الكسل إلى العمل والإنتاج،تحوّل القلوب من اللا إنسانية إلى الإنسانية والقيم، تحوّل القلوب من المعاصي إلى الطاعات، تحوّل القلوب من الازدواجية في المحبة إلى التجرد.. وكل عام ومصرنا وأمتنا الإسلامية بخير، ووفقنا الله تعالى أن نتلمس دورس اللية المباركة، ونحققها منهجا واقعا فعليا في حياتنا وواقعنا المعاش ومجتمعاتنا.





المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط