الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى محمود.. الملحد المجدد في ميدان الفكر الإسلامي!


ما بين الإلحاد والإيمان، والشك واليقين، والدنيا والدين والتصوف والفلسفة والطب، دارت حياة د. مصطفى محمود أحد دعاة النهضة والتجديد الديني خلال القرن العشرين.

حياة ظلت صاخبة ومثيرة للجدل طوال أكثر من 6 عقود كاملة.

وإذا كان لأي كاتب الشرف في أن يتوقف أمام حياة ومسيرة د. مصطفى محمود، الفكرية والفلسفية والروحية خلال عمره الممتد "1921- 2009" فإنه لن يكون منصفًا، إذا لم يبدأ بالحديث عن أزمات الرجل ومعاركه الضخمة، التي خاضها طيلة حياته، وهمه من ورائها في الوصول للحقيقة والإتيان باليقين.

فبدايته كانت مع كتابه الشهير "الله والإنسان"، والذي صدر في عام 1956 وقدم بسببه للمحاكمة، لأنه اعتبر بمثابة كتاب ملحد منكر!، وكان الجميع يتوقعون سجن مصطفى محمود بسبب كتابه هذا، لكن المحكمة اكتفت بمصادرته.

والقضية لم تكن في مصادرة الكتاب، أو حتى في الانتقادات الشديدة التي وجهت لصاحبة في بدايات عمره، ولكن في موقفه من الدين والذي اتهم بسببه طيلة حياته، لإصراره على البحث عن اليقين في منطقة شائكة جدًا. قدمها بموضوعية وصدق في كتابه الشهير "رحلتي من الشك إلى الإيمان"، وكتاب أخر حول نفس الموضوع بعنوان "حوار مع صديقي الملحد".

والحق أن هذه المنطقة المظلمة، التي مر بها د. مصطفى محمود في بدايات حياته واستمرت نحو 30 سنة كاملة حتى خرج منها، كانت هى النور التي أضاء له جنبات حياته فيما بعد. فكتب بعدها أعمق كتبه الدينية، التي تعد بامتياز كتبا رائدة في ميدان التجديد الديني ومنها، القرأن: محاولة لفهم عصري، الله، والتوراة، والسر الأعظم، ومن أسرار القرآن، والوجود والعدم، والإسلام: ما هو وكتابه، رأيت الله، وعلم نفس قرأني جديد وغيرها من الكتب التي خطها د. مصطفى محمود، وكانت ضربات غير مسبوقة في ميدان الفكر الإسلامي والتجديد الديني.

واذا كانت معركة الشك والإلحاد جزء من مواجهة ضخمة خاضها د. مصطفى محمود في بديات حياته، فإنه خاض معركة مشابهة وربما أكثر حدة في أخريات حياته، بعدما بلغ الثمانين من العمر، وكتب سلسة مقالاته الشهيرة في جريدة الأهرام حول الشفاعة في عام 2000 فقامت الدنيا ولم تقعد، واتهم وقتها بأنه ينكر الشفاعة، في حين أن جل تصوره ورؤاه في هذه المقالات التي صدرت فيما بعد في كتاب بنفس العنوان، كانت في رأيه" أن الشفاعة ليست مطلقة، وأنها لن تخرج العصاة والمذنبين من النار"، وكانت قضية هائلة في زمنها وصدر نحو 14 كتابًا للرد على د. مصطفى محمود، وتم اتهامه بأنه منكر للسنة وتكفيره وغيرها من الاتهامات والسهام المسمومة التي حاولت النيل منه!

لكن كل هذه سقطت وبقى د. مصطفى محمود واحدًا من المجددين الكبار في ميدان الفكر الإسلامي في القرن العشرين.

واذا كانت الأزمات والمعارك جزء رئيسي في حياة مصطفى محمود، فإن محطاته الفكرية جزء ثري وضخم ومثير للتساؤلات في رحلة هذا العالم الجليل، الذي قدم للمكتبة المصرية والعربية نحو 89 كتابًا، في مختلف صنوف وميادين الفكر، وكان قراء مصطفى محمود وجماهيره العريضة من المحيط إلى الخليج هم الواعون دائمًا بقيمة الرجل وفكره، لذلك حققت كتبه خلال حياته مبيعات خرافية، وطبعت منها عشرات الطبعات داخل مصر وخارجها، لأنها جاءت متنوعة شائكة صادقة.

فظهر منها ما يمكن تصنيفه على أنها دراسات سياسية وفكرية مثل كتبه لغز الموت ولغز الحياة والماركسية والإسلام ، ولماذا رفضت الماركسية، وسقوط اليسار وإبليس والروح والجسد.

كما كتب القصة القصيرة مثل رائحة الدم والطوفان وشلة الأنس وعنبر 7 وأكل عيش..

وكتب الرواية، مثل الأفيون والعنكبوت والمستحيل، وكتب كذلك المسرحية مثل الإسكندر الأكبر والزلزال والشيطان يسكن في بيتنا وزيارة للجنة والنار، كما كتب في أدب الرحلات مثل الغابة والطريق إلى الكعبة وكتاباته الأخرى اعترافات عشاق واعترفوا لي و55 مشكلة حب..

وغيرها من الكتابات التي حفرت بأسطر من نور قصة فكر ورحلة د. مصطفى محمود.

ولم تقتصر رحلة مصطفى محمود عند هذا الحد – رحمه الله- ولكن كانت هناك نقطة مضيئة وغير مسبوقة، وكشف علمي وحضاري هائل قدمه مصطفى محمود في برنامجه الشهير "العلم والإيمان، والذي قدم منه نحو 400 حلقة طاف فيها د. مصطفى محمود بين الشرق والغرب، ليقدم عجائب وأساطير ورؤى تنطق كلها بقدرة الله النافذة في الشجر والحجر والإنسان والحشرات. وهذا البرنامج يحتاج إلى دراسة كاملة عما قدمه من معلومات إلى عشرات الملايين من متابعيه في العالم العربي بصوت د. مصطفى محمود الأثير وحكاياته المشوقة، التي مزجت بين العلم والإيمان كما يحتاج التلفزيون المصري، إلى إعادة بث هذه الحلقات بانتظام شديد في ساعات الذروة، وهى جزء مشهود من تراثه إلى الشباب الذين لم يطالعوا هذه الحلقات، لتنمية مداركهم ووضعهم على طريق النور، فالدكتور مصطفى محمود في هذه الحلقات هو استاذ كرسي الحضارة والتنوير بامتياز..

وبعد هل استطاع هذا المقال، أن يقدم صورة بانورامية سريعة عن د. مصطفى محمود، لا أظن ذلك ولا أخجل من قوله، فحياة مصطفى محمود الهائلة تحتاج إلى عشرات المقالات لهضم افكار هذا الرجل، والوقوف أمام أسئلته الضخمة، وهو يشّرح جسم الانسان والحيوان، ويتساءل في دهشة عن سر الخلق والحياة والروح. لكني أطمع أن يكون هذا المقال هو بداية لإعادة رد فكر ومؤلفات وحياة مصطفى محمود إلى الوجود، بعد نحو 10 سنوات على وفاته، وذلك بتقديم احتفالية ضخمة عن فكر مصطفى محمود وقضاياه، يدعى لها عشرات الكتاب والأدباء والمفكرين في مصر والعالم العربي للوقوف أمام سيرة هذا الرجل ومجده الأدبي والديني..

رحم الله مصطفى محمود، جزاء ما قدمه للإنسانية من رؤى وأفكار..
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط