الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خمسة دروس من الحرب التجارية العالمية


قضى مشهد الحرب التجارية على مسلمات كانت قد استقرت فى ذهن عقليات ما بعد الحرب الباردة .. حرية التجارة المُطلقة واستقلالية الشركات عن مصالح الدول .. حتى ذهب البعض للحديث عن أن حركة التجارة قهرت القومية وأن السوق حل محل الدولة .. وأن أشكال السيادة الوطنية أصبحت قديمة العهد .. وأن على الدول والحكومات أن تنسحب من مضمار الاقتصاد .. لتقود الشركات والمؤسسات المالية المجتمع الدولي.
 
لكن الحقيقة أن العولمة بشكلها الشامل كان مشروع دولة بعينها .. وكانت العولمة بكل شعاراتها .. ونماذجها عن الاقتصاد والسياسية وحتى نموذجها الاجتماعية الذى تسوده فكره المستهلكين لا المواطنين .. هي مشروع دولة استهدفت تحقيق مصالحها الكولونيالية بشكل جديد في أشكال السيطرة الناعمة بوسائل مختلفة عن وسائل القرنين التاسع عشر والقرن العشرين.
 
لكن ما أن ظهرت قوى منافسة .. وتغيرت موازين القوى الاقتصادية .. وتعددت الهويات الاجتماعية داخل منظومة العولمة .. حتى بدأت في التفكك وأنهارت الأسس التي تخيلها واضعوا النظام .. فالمواطن في الصين قد يرتدى الجينز .. لكنه يؤمن بالكنفوشية وأخلاقياتها الثقافية والاجتماعية .. وهكذا في كل بلد له هوية وثقافة .. كل الهويات المحلية والقومية الدينية لم تذب .. لأنها تراث الإنسانية بكل تنوعها.

لكن جوهر الموضوع هنا .. أن الصراع والتنافس ليس محصورا في جودة المنتجات والسعر والتكنولوجيا ومصالح المستهلك في أي مكان في العالم .. الموضوع في جوهره مصالح دول .. فالشركات الأمريكية امتثلت لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية .. التي رأت في مصلحتها لأول مرة تاريخيا ان تُعظم أنتاجها المحلى في التصنيع .. وأن تقوم بإجراءات حمائية لحماية الصناعة المحلية .. وشركة هواوي العملاقة وبالمناسبة هي شركة ليست خاصة بناها مؤسسها ويمتلكها العاملين بنظام ملكية جماعية أشبه بنموذج قطاع الأعمال.. والسبب الرئيسي للهجوم الأمريكي عليها هو أنها متهمة بعلاقاتها بالجيش الصيني .. وما لم يُصرح به المسئولون الأمريكيون هو الصراع والتنافس على تقنية الاتصال الجديدة 5G. 

الخلاصة هنا هو أن القواعد التي صدروها لنا بحتمية فتح الأسواق وبيع القطاعات الاقتصادية المملوكة للدول وتحرير التجارة وإلغاء الحواجز الجمركية .. لم تكن ثوابت أو مسلمات أو روشتة للدخول في اقتصادات القرن الحادي والعشرين .. والقضية هنا خاضعة للمصلحة القومية والاقتصادية المحلية أو القومية.
 
أن أهم دروس الحرب التجارية العالمية هي
الدرس الأول .. إن الاعتماد على التصنيع المحلي واقتصادات القيمة المضافة هى أولوية قصوى في البناء الاقتصادي .. فالتصنيع المحلي ضمانة لتعزيز دور المكون المحلي .. وترسيخ قوة السوق ومناعته ضد اى حروب اقتصادية وتجارية ضد منتجاتنا .. وإن نموذج التصنيع ليس مرتبط فقط بالصناعات التجميعية .. وإنما بامتلاك تكنولوجيا الإنتاج والمواد الخام وصولا الى أدوات الإنتاج .. وإن العامل الحاسم في الدخول في أي صناعة هنا هو مدى كفاءة الصناعة وتنافسيتها..

الدرس الثاني .. إن تطوير عقلية رأس المال المصري بات ضرورة قصوى .. فالقطاع الخاص المحلي ضرورة قومية .. وأن تطوير عمل القطاع الخاص وتوسيع استثماراته مرتبط بالنموذج الذى أشرت له سابقًا والمتعلق بإنتاج المواد الخام القابلة للصناع وماكينات الإنتاج وتكنولوجيا الإنتاج . .. لأن ذلك هو الذى يفتح الباب بقوة أمام المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر ..وتوسيع القاعدة المحلية للمنتجين.. وهو أهم أسباب تطوير ثقافة المشروع الصغير في مصر.. فالمشروع الصغير هو مشروع انتاج قابل للربح ومرتبط بسوق صناعة قوى .. وليس قهوة بلدى أو سايبر للألعاب الإلكترونية. 

الدرس الثالث .. إن تطوير اقتصاديات تشغيل الكيانات الاقتصادية المملوكة للدولة هو خيار استراتيجي ذا أولوية قصوى .. وهذا يتطلب بوضوح الاستثمار الحكومى في الصناعات الاستراتيجية .. والمتعلق بالمواد الخام القابلة للتصنيع .. لأن هذا يُحقق أقصى استفادة اقتصادية من الموارد الخام والتي تعتبر ثروات قومية .. مع التأكيد على أهمية أن الاعتبار الاقتصادي والمالي فوق أي اعتبار في تشغيل هذه الكيانات .. بالإضافة إلى العمل على تولية الاقتصاديين وليس التشغيلين مهمة إدارة هذه الكيانات .. وتقليل التدخلات البيروقراطية في عمل هذه الشركات.
 
الدرس الرابع .. أهمية جذب الاستثمارات الأجنبية لإنشاء وحدات إنتاج أو خدمات جديدة تضيف لحجم إنتاج السوق .. وهذا لن يتم وفق نموذج الخصخصة .. ببساطة لأن نموذج الخصخصة يعنى أن المستثمر سيأتى لتلبية احتياجات السوق المحلية .. بنفس حجم الإنتاج تقريبا مع عدد عمالة ربما يكون أقل.
 
أن الحرص على أن الاستثمارات الأجنبي يأتي في قطاعات جديدة نوعيا أو حتى في قطاعات موجودة بهدف رفع حجم الإنتاج والتصدير أمر حيوي جدًا من أجل تعظيم القيمة المضافة منه .. لأن أهمية الاستثمار الأجنبي تنصب في جلب تكنولوجيات إنتاج جديدة أو رفع كفاءة السوق المحلي أو دعم تنافسيته الإقليمية وتشغيل المزيد من العمالة المحلية وتدريبها.
 
الدرس الخامس .. أن نموذج الخصخصة قد يكون جيدًا للشركات التي تعانى من مشكلات مالية أو هيكلية .. لكنه خيار غير مبرر وكارثي إذا كانت هذه الشركات ناجحة وتحقق أرباح أو في سوق ناجح .. وإذا وضعنا في الاعتبار أن الاستثمار الأجنبي لن يأتي ليشترى شركة خاسرة .. وأنه إذا أتي لامتلاك الشركات الناجحة .. ستكون بالنسبة له استثمار في السوق المحلي للدولة المستضيفة لتعظيم أرباحه على حساب تدوير رأس المال المحلى في توسيع حجم النشاط الاقتصادي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط