الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بدء الحرب الباردة بين تركيا والاتحاد الأوروبي بسبب الغاز القبرصي.. أنقرة بين رحى العقوبات الأمريكية وسندان نظيرتها الأوروبية.. عضوية الأتراك في الاتحاد الأوروبي تذهب مع الريح

سفن التنقيب التركية
سفن التنقيب التركية

العقوبات الأوروبية ضد تركيا بسبب التنقيب على الغاز
الاقتصاد التركي يتهاوى بين عقوبتين الأمريكية والأوروبية
البحر المتوسط ساحة معركة بين أنقرة والقارة العجوز


في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لـ عقوبات محتملة من الولايات المتحدة بسبب قيامها بشراء صواريخ مضادة للطائرات من طراز S-400 من روسيا، تتوالى الأخبار التي تكشف الإجراءات التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي من أجل الضغط على أنقرة بسبب التنقيب على الغاز قبالة السواحل القبرصية، لتترك البلاد التي يحكمها الرئيس أردوغان بين سندان عقوبات واشنطن ورحى الاتحاد الأوروبي.

هذه العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي تمثل مرحلة جديدة في العلاقات التركية بالغرب ، حيث أعلن المجلس الأوروبي (اجتماع رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي) أنه سوف يفرض عقوبات على تركيا بسبب التنقيب على الغاز قبالة قبرص والذي يعتبره الإتحاد أمر غير قانوني.

عقوبات جديدة لا تتعلق بطلب تركيا المتوقف منذ فترة طويلة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، ذلك الأمر الذي يعتبره البعض طلبا ميتًا لا حياة له، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى النزاع القبرصي- التركي.

وبعد القرار الأوروبي بفرض العقوبات تم تعليق كافة الشركات التركية الأوروبية والاجتماعات الأخرى رفيعة المستوى التي كانت تتم بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة كما ستتم مراجعة المساعدة المقدمة قبل الانضمام إلى تركيا لعام 2020، والتي من المحتمل أن تبلغ قيمتها حوالي 800 مليون يورو على مدار عام.

واتفق الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات عقابية بحق تركيا، تتضمن خفض المخصصات المالية لها باعتبارها مرشحة لعضوية الكتلة الأوروبية في 2020، ودعا بنك الاستثمار الأوروبي إلى مراجعة أنشطة الإقراض في تركيا.

كما قرر وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي تعليق المفاوضات حول اتفاق النقل الجوي الشامل مع تركيا وإلغاء اجتماعات مجلس الشراكة والاجتماعات رفيعة المستوى مع تركيا في الوقت الحالي.

وحذرت بروكسل من التأثير السلبي الخطير للأعمال غير القانونية التي تقوم بها تركيا في البحر المتوسط على العلاقات الثنائية، داعيا تركيا مرة أخرى إلى الامتناع عن مثل هذه الأعمال واحترام سيادة قبرص و حقوقها السيادية وفقا للقانون الدولي.

وجاءت هذه الخطوة استجابة لدعوة حكومة قبرص الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات بعد أن أرسلت تركيا سفينتين للتنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه التي تعتبرها قبرص جزءا من المنطقة الاقتصادية الخالصة لها؛ في حين تؤكد أنقرة أن الأفعال التي تقوم بها تتماشى مع القوانين الدولية.

وعلق عضو لجنة مجلس الاتحاد الروسي للشؤون الدولية، أوليج موروزوف، أن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على تركيا تحمل طابعا رمزيا وتهدف لإبلاغ تركيا بعدم موافقة الاتحاد الأوروبي على هذه الأعمال أحادية الجانب الأوروبي لا غير.

وتابع: "لكننا كنا نعبر دائما عن قلقنا من الأعمال التركية أحادية الجانب في هذه المنطقة (شرق البحر المتوسط)، كما كنا ندعو لاستخدام الآليات السياسية لتسوية هذا النزاع".

من جانبها، واصلت تركيا اليوم، الثلاثاء، تهديداتها لجمهورية قبرص المعترف بها دوليا، وجددت عزمها الاستمرار في أعمال التنقيب عن الغاز قبالة سواحل الجزيرة الأوروبية في انتهاك جديد لمياهها الإقليمية؛ في تحد واضح لقرارات الاتحاد الأوروبي باتخاذ اجراءات عقابية تجاهها.

وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان لها إن تلك العقوبات لن تؤثر على عزم أنقرة مواصلة أنشطة التنقيب في البحر الأبيض المتوسط.

وأوضح وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، خلال حديثه لـ "سي إن إن ترك" في العاصمة المقدونية الشمالية سكوبيا، أن أنقرة ستزيد نشاطاتها في شرق البحر المتوسط بإرسال سفينة رابعة للتنقيب عن الغاز.

وكانت الحكومة التركية هددت، الجمعة، بالرد المناسب على أي محاولة أوروبية لفرض عقوبات على أنقرة بسبب عمليات التنقيب عن النفط شرقي المتوسط.

وأكد وزير الخارجية التركي، في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره السويسري إجناسيو كاسيس في العاصمة أنقرة، ضرورة حماية حقوق القبارصة الأتراك، مشيرا إلى أن "أي خطوات يمكن أن يتخذها الاتحاد الأوروبي ضدنا لن تجدي نفعا بل سترتد عليه".

وأشار الوزير التركي إلى أن بلاده مستعدة لرفع مستوى أنشطتها في قبرص دون تردد، وقال: "مستعدون لفعل ما يلزم من أجل حماية حقوق الجمهورية التركية وجمهورية شمال قبرص التركية".

وتواصل سفينتا التنقيب التركيتين مهامهما في البحر المتوسط بالقرب من جزيرة قبرص رغم التحذيرات الأوروبية والأمريكية.

جدير بالذكر أن الوضع حول الأعمال التركية في مياه قبرص له جذور عميقة إذ تعارض قبرص الرومية واليونان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، أعمال تركيا في التنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، لكن أنقرة قالت إن سفنها تنقب في الجرف القاري للبلاد وستواصل ذلك.

وتصاعد التوتر في منطقة شرق المتوسط في الآونة الأخيرة مع اكتشاف احتياطات ضخمة من الغاز بالمنطقة ما أثار أطماع تركيا التي أرسلت سفينتي حفر لبدء عمليات تنقيب قبالة سواحل قبرص، التي يعتقد الخبراء بوجود ما يقدر بـ 227 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي بها.

يشار إلى أنه تم تقسيم قبرص منذ عام 1974 عندما غزتها تركيا واحتلت الثلث الشمالي من الجزيرة، ومع عدم اعتراف الأمم المتحدة أو أي دولة في العالم بالوضع الجديد، جاء بذهن الحكومة التركية فكرة جديدة، فقامت فيدرالية شمال قبرص التركية بإعلان استقلالها، وأصبح اسمها «جمهورية شمال قبرص التركية». ومرة أخرى، لم تعترف أي دولة في العالم بالوضع الجديد باستثناء تركيا.

وفشلت حتى الآن جميع الجولات المتكررة لمحادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في التوصل إلى حل يعيد توحيد الجزيرة، وكانت الجولة الأخيرة من المفاوضات قد أُجريت في يوليو 2017 في منتجع كران مونتانا في سويسرا.

وظلت العلاقات سيئة بين كل من قبرص وتركيا، حيث تدخلت تركيا بقوة لمنع أي صفقات سلاح لقبرص منها صفقة «الإس-300» الروسية في 1997م.

ولاحقا، تم وضع المنظومة على جزيرة كريت، لكن مع بدء مفاوضات انضمام قبرص للاتحاد الأوروبي، بدأت محاولات إعادة توحيد الجزيرة.

وبين 2001 – 2003، قام الأمين العام للأمم المتحدة «كوفي عنان» بجهود كبيرة لتوحيد الجزيرة تحت نشيد وعلم واحد، نجح في الخروج بخطة فيدرالية، وعُرض الإستفتاء على الشعب القبرصي بمكونيه، ورفض القبارصة اليونانيين خطة «عنان» بأغلبية كاسحة بلغت 75.3%، في حين وافق القبارصة الأتراك بنسبة بلغت 64.9%.

ورغم دعم الأمم المتحدة للخطة، وموافقة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والسويد على الخطة، فإن الرفض اليوناني كان عقبةً أمام اتحاد شطري الجزيرة، لتستمر المشكلة بلا حل حتى يومنا الحالي.

سيقوم بنك الاستثمار الأوروبي بمراجعة أنشطة الإقراض في تركيا ، وخاصة فيما يتعلق بالإقراض المدعوم، ولم يتم توضيح العقوبتين الماليتين بالتفصيل، لكن في الوقت الذي يتعرض فيه الاقتصاد التركي لضغوط شديدة ، فإنهما يضيفان بوضوح إلى الصعوبات التي تواجهها البلد.

من كل ما سبق لا بد من الإستنتاج بإن الحرب والمواجهة بين كلا الطرفين. خلال السنوات الثلاث الماضية ، قامت تركيا بشراء وتجهيز سفينتين للتنقيب ، هما الفاتح ويافوز ، وإرسالهما إلى مياه البحر المتوسط. في وقت سابق من هذا الشهر ، ذهبت الفاتح على بعد 37 ميلًا بحريًا غرب قبرص في منطقة بحرية مفتوحة تدعي كل من تركيا وقبرص أنها منطقتهما الاقتصادية الخالصة ، بينما كان يافوز يحفر شمال شرق الجزر ، في المياه التي تطالب بها اليونانية القبارصة ، ولكن تمت السيطرة عليها منذ عام 1975 من قبل الجمهورية التركية لشمال قبرص.

وبتلك الخطوة لم تتحدى تركيا القبارصة اليونانيين فقط - الذين لا تعترف حكومتهم بهم ، وهي الدولة المسؤولة بشكل رئيسي عن عرقلة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي - ولكن أيضًا الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة كذلك. أصدر كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تحذيرات ، وهو أمر كان لا يمكن تصوره قبل بضعة عقود عندما حاول الغرب الحفاظ على حياده في النزاعات بين الأتراك واليونانيين ، واعتبر تركيا - التي يبلغ عدد سكانها ثمانية أضعاف سكان اليونان مع مفتاح الموقع الجغرافي الاستراتيجي - كشريك لا غنى عنه.

لكن بعد اكتشافات الغاز على مدى العقد الماضي ، كانت هناك سلسلة كبيرة من اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​، ولا سيما حقل زهر قبالة مصر وحقول ليفياثان وتمار قبالة إسرائيل ، وحقل غاز أفروديت جنوب شرق قبرص. يبدو أن هناك احتياطيات إجمالية تبلغ حوالي 125 تريليون قدم مكعب في المنطقة.

وتركيا ، التي يبلغ طول ساحل البحر المتوسط ​​فيها 1500 كيلومتر ، والتي تجاوزتها فقط اليونان مع جزرها ، تنازع قضايا حقوق قاع البحر مع اليونان في بحر إيجه منذ سبعينيات القرن الماضي دون التوصل إلى حل وسط.

يعطي القانون الدولي للبحار - الذي لا تعترف به تركيا - أولوية للجزر على قاع البحر المتاخمة لأراضيها الرئيسية ، وهي حالة تبدو في نظر الأتراك ظالمة. ويحصل القبارصة اليونانيون ، الذين يبلغ طول ساحلهم 648 كيلومترًا ، على نصيب الأسد من حقوق قاع البحر ، على الرغم من أن معظم قاع البحر لا يسيطروا عليه بالفعل. منذ أن غزا الأتراك الجزيرة في عام 1974 ، متذرعين بحقوق المعاهدة لحماية أقلياتهم هناك ، يخضع الساحل الشمالي الغربي والشمال الشرقي للجزيرة لسيطرة الدولة القبرصية التركية ، وهي كيان معترف به من قبل تركيا فقط. في شهر فبراير الماضي ، أعلنت شركة إكسون موبيل عن اكتشاف احتياطيات تتراوح ما بين 5 و 8 تريليونات قدم مكعب من الغاز في المنطقة رقم 10 ، وهو أكبر اكتشاف للغاز في أي مكان في العالم في عام 2019. جاء هذا على الرغم من المحاولات السابقة التي فرضتها البحرية التركية على عمليات التنقيب. أعلنت الفاتح هذا الأسبوع أنها أيضًا اكتشفت اكتشافًا كبيرًا لرواسب الغاز في المنطقة المتنازع عليها.

ومن كل ما سبق نري أنه يتم إعداد المسرح لمواجهة استراتيجية في شرق البحر المتوسط ​​بين الولايات المتحدة وبلدين صغيرين للغاية ضد أكبر وأقوى دولة في المنطقة التي تعتبر حتى الآن شرق البحر المتوسط ​​منطقة نفوذها. مع وجود صوتين داخل الاتحاد الأوروبي وواشنطن خلفهم ، واجه اليونانيين والقبارصة اليونانيين - بشكل مدهش - صعوبة صغيرة في توحيد الاتحاد الأوروبي خلفهم.

المواجهة التي يتم الإعداد لها الآن يمكن أن تصبح بسهولة ويستحيل عكسها. كان رد فعل تركيا على الأخبار الواردة من الاتحاد الأوروبي متوقعًا. لا توجد علامة على أنها سوف تتراجع. وبدلًا من ذلك ، احتشد حتى يسار الوسط المعارض لدعم موقف الرئيس أردوغان. تركيا لا تسحب الفاتح. وتقول إنها سترسل سفينتين جديدتين للتنقيب وستحميهما إذا لزم الأمر بقواتها البحرية.