الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مدير قصر المنيل يكتب: قراءة 150 عاما في مشهد افتتاح قناة السويس 1869م

صدى البلد

فى 17 نوفمبر 1869م تم افتتاح قناة السويس حيث جرى التقاء مياه البحرين الابيض والاحمر عند مدينة الاسماعيلية بعد عمل دام عشر سنوات ؛ وأنشئت مدينة الاسماعيلية عند نقطة العمل والتقاء البحرين ..وكذلك انشئت مدينة بورسعيد على شاطئ البحر الابيض المتوسط .

كان الخديو اسماعيل يريدها فرصة كى يطلع ملوك واباطرة وامراء اوروبا على ما اسماه بالنهضة التى تمت مصر فى عهده ؛ وقد ابحر الخديو اسماعيل الى اوروبا مع وزير خارجيته نوبار باشا خصيصا لتوجيه دعوة حضور حفل الافتتاح الى كبار شخصيات العالم من الملوك والرؤساء والامراء ورجال العلم والاداب والسياسة والصحافة وعظماء مصر والسودان ؛ كما استحضر الخديو 500 طاهٍ وخادم من فرنسا وايطاليا علاوه على الطهاه والخدم من المصريين والاتراك الذين كانوا فى خدمته.

وأرسلت الصحف الاجنبية مراسلين لها لتغطية انباء الاحتفال وبدأ المدعوون بالحضور الى الاسكندرية منذ يوم 15 اكتوبر1869م وأعدت لهم رحلات الى الوجه القبلى فى النيل فى السفن التى اعدت وجهزت لهذا الغرض وذلك قبل بدء المهرجان الرسمى للافتتاح ؛وأنفق اسماعيل عن بذخ واسراف لا مثيل له فى الافتتاح.

وكان اول من حضر ولى عهد هولندا ثم امبراطور النمسا فولى عهد بروسيا ثم وصلت الامبراطورة اوجينى امبراطورة فرنسا وتغيب زوجها الامبراطور نابليون الثالث لاسباب سياسية وقد مرت قبل وصولها الى مصر بالقسطنطينية حيث استقبلها السلطان العثمانى "عبد العزيز" وأقام لها العديد من والولائم واغدق عليها الكثير من الهدايا "مع العلم ان الخديو اسماعيل لم يدعُ السلطان العثمانى لحضور الافتتاح"وصلت الامبراطورة الى الاسكندرية يوم16 اكتوبر 1869م على اليخت "النسر" الذى اقلها من القسطنطينية فاستقبلها الخديو اسماعيل وحاشيته والامراء بالحفاوة واطلاق المدافع وعزف الموسيقات .

وقد ناب عن ملكة انجلترا وقيصر روسيا سفيرهما بالاستانة. وركبت الامبراطورة القطار من الاسكندرية الى القاهرة ثم بدأت هى الاخرى رحلتها الى الوجه القبلى واعجبت اشد الاعجاب بالاثار المصرية القديمة وقالت "حيا الله المصريين انهم يعطون للموت اهتمام الناس بالحياة".

وفى يوم 16 نوفمبر 1869م اكتمل عقد المدعوين جميعا وانتشر المصريون من جنود واهالى على ضفتى القناة بخيامهم وادواتهم لمشاهدة هذا المهرجان العظيم؛وفى الساعة الثانية بعد ظهر هذا اليوم رأست الامبراطورة اوجينى الحفلة الدينية.

وحضرها جميع المدعوين بينما كانت الموسيقى تصدح والمدافع تدوى ايذانا بابتداء الحفلة؛ وقد قام شيخ الاسلام الشيخ "ابراهيم السقا"ودعا الله بأن يختص هذا العمل العظيم بمثابته ورعايته وان يهيئ له نجاحا دائما وقام بعده رئيس القساوسة وتلا الصلاة وبارك هذا العمل العظيم ثم القى المونسينور "بلرو" مندوب البابا وواعظ نابليون كلمة بليغة شكر فيها جهود اسماعيل فى اتصال القارتين .

وفى المساء مدت الموائد للمدعوين وسطعت الانوار فى كل جانب وعزفت الموسيقى الى ساعة متأخرة من الليل.

وفى يوم 17 نوفمبر 1869م اليوم المحدد لفتح القناة تحرك الركب من بورسعيد لدخول القناة وقد قسم الى خمس قوافل فى مقدمته هذا الركب يخت الامبراطورة اوجينى وكان بجوارها "دى لسيبس"ووراءها باقى اليخوت والاساطيل وبواخر نقل المدعوين – بينما الرجال على الشاطئ يهتفون والنساء يزغردون حتى وصلوا الى الاسماعيلية وفيها استقبلهم الخديو فى قصره الفخم الذى بناه من اجل هذه المناسبة .

وأيضا مضى الركب الى الشاطئ الاسيوى حيث ذهبت الامبراطورة الى عيون موسى وكذلك حرصت على تفقد المكان الذى نزل فيه "بونابرت" فى السويس عند حضوره اليها لدراسة امكان شق القناة اثناء حملته على مصر.
 
وقد اقيم فى حفل الافتتاح ببورسعيد ثلاث منصات ؛خصصت الكبرى للملوك والامراء وكبار المدعوين والثانية لرجال الدين الاسلامى والثالثة لرجال الاكليروس.

وفى صباح يوم 18 نوفمبر 1869م امتطت الامبراطورة جوادا ؛وبعد الظهر أعدت عربات نزهة للجميع –بينما كان العربان يقومون بألعاب الفروسية الجميلة وفى المساء أقيمت سهرة راقصة اعقبها مقصف حوى أطيب المأكولات وأفخر المشروبات فى كرم منقطع النظير ويكفى دليلا على مبلغ الاسراف ان نعرف نفقات الحفلات قد بلغت على اصح تقدير".

1,400,000 جنيه ولا توجد حكومة رشيدة تكلف خزانتها هذا المبلغ فى ذلك الزمان "وهذا ما ادى الى افلاس البلاد فيما بعد" وبالرغم من ذلك انهالت التهانى على "دى لسبس " غدا افتتاح القناة تنسب له فضل هذا المشروع العظيم .

وأصر دى لسبس فى قرارة نفسه على الا تمر ذكرى افتتاح القناة الا وتكون هذه الذكرى معلقة فى ذهنه برباط شخصى – فقد تزوج من كريمة قنصل المكسيك بالقاهرة "لويز هيلين"الفتاة التى يبلغ عمرها عشرين ربيعا وهو قد بلغ الرابعة والستين من العمر وقد كتب اميل زولا الكاتب الفرنسى يقول " لقد زوج المسيو دى لسبس البحر الابيض بالبحر الاحمر ثم تزوج هو نفسه".

د.ولاء الدين بدوي
مدير عام متحف قصر المنيل