الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سقوط ديمقراطيات الشرق الأوسط الكبير


قديمًا كان الاستعمار يدخل بلدا ما بالقوة العسكرية .. ثم بعد ضرب المقاومة فيها .. يسعى الى انشاء نظام يحكم المجتمعات من خلاله .. السؤال هنا .. هل يمكن اعتبار هذا النظام الذى انشأه الاحتلال نظامًا ديمقراطيًا ؟!!

الاحتلال عادةً يسعى الى فرض إرادته ليس على نظم سياسية بعينها أو حُكام أيا كانت طبيعتهم .. وانما يسعى الى فرض مصالحه الجيوسياسية والجيواستراتيجية في بلد ما او إقليم معين وبطبيعة الحال السيطرة على المجتمعات التي تعيش في هذه البلدان المنكوبة بالمُحتل .. وهذه السيطرة لا تتم إلا بمنطق فرق تسُد .. فالمُحتل لا يرغب ابدًا في مجتمع موحد .. لذلك فإن الديمقراطية ستصبح وسيلة لفرض إرادة المُحتلين وليس اكثر .

سؤال آخر
هل يمكن أن تنشأ ديمقراطية في مجتمع تسيطر عليه الميليشيات وتحكمه فوضى الإرهاب والطائفية المذهبية والطائفية ؟

عادة الطائفية والمذهبية بشكلها الفج الذى يظهر فيه ميليشيات ينتج عن ضعف هيكل الدولة أو انهيار المؤسسات .. ولا يوجد ديمقراطية يمكن بناؤها في دولة مفككة .. فالديمقراطية نظام مؤسسى وليست فوضى عدمية . 
 
وهنا تكمن القضية .. الديمقراطية يمكن بناؤها بالتدريج حتى في المجتمعات متعددة الطوائف والمذاهب .. لكن نقطة الانطلاق فيها هو وجود بنية مؤسسات ودولة قادرة على إدارة عملية التحول .. لكن الجاري في منطقة الشرق الأوسط هو استكمال لإجابة السؤال السابق .. فإرادة مدير الاحتلال هو تدمير إجماع أي مجتمع .. ولذلك تصبح الطائفية والمذهبية هي هدف الاحتلال أو القوى التي تقوم بالوصاية على المجتمعات المنكوبة.. بل قد يصبح تكريس الطائفية أحد اهداف النظام السياسي الئي يبنيه الاحتلال .

هل يمكن أساسًا وجود نظام ديمقراطي دون بنية دولة مؤسسية تقوم بمهامها وتستند عليها الديمقراطية بكل مكوناتها؟ الإجابة واضحة ..

إن الديمقراطية نتيجة مباشرة لإكتمال البناء المؤسسي وليس العكس .. فبلا مؤسسات قادرة وبنية تفكير ومدرسة إدارة بيروقراطية .. ستصبح الديمقراطية ضعيفة أمام مظاهر الفوضى او الضعف او الخلل الإداري .. فالديمقراطية من نفسها غير قادرة على تحسين الأحوال الاقتصادية او انتظام الخدمات ورفع كفاءتها .. فهذا من اختصاص المؤسسات البيروقراطية والتي تخضع لآليات الرقابة السياسية عبر المؤسسات التشريعية والرقابية ..

وباختصار شديد الدول القوية فقط هي من تستطيع إقامة ديمقراطية حقيقية وفعُالة .. ديمقراطية من أجل الشعب .. وليست ديمقراطية يفرضها الخارج على الشعب من اجل اغتصاب ثرواته .. ولنا مثال واضح في الدول التي تم تقديمها على انها ديمقراطيات في بلدان ذات مؤسسات رخوة وتشهد انهيار في مجالات الحياة كافة تقريبًا.

هل يمكن أن تستورد المجتمعات الديمقراطية ؟

الديمقراطية هي نظام سياسي اجتماعي .. وعندما أقول أنها نظام سياسي اجتماعي .. يعنى أنه مرتبط بالمجتمعات وبنيتها الفكرية وخصوصيتها الثقافية .. وهنا يمكن الاستفادة من خبرات وتجارب دول ما في بناء النظام الديمقراطي .. لكن لا يمكن ابدًا أن اطبق التجربة كما هي .. لأن طبيعة المجتمعات مختلفة تمامًا .

لكن المشكلة الأكبر والأكثر عمقًا .. ان الديمقراطية التي يحاول وكلاء الشرق الأوسط الكبير تقديمها .. لم تعد مجرد التعددية الحزبية أو الرأي والرأي الآخر.. وانما تحولت الى نموذج حكم سياسي ونموذج اجتماعي يجب فرضهما على المجتمعات .. وللأسف تحت شعارات مبادئ حقوقية وسياسية يتم تمرير كل اشكال التمزيق الاجتماعي والفوضى الإدارية والسياسية .

هل النظام الاجتماعي الذى يتم فرضه مع باقة الديمقراطية يمكن أن يحقق استقرار؟.

المشكلة عند مُصدري النظم الديمقراطية ووكلائهم المحليين .. هو أنهم يتعاملون مع الموضوع على أنه سلعة بنظام تشغيل يمكن تطبيعها مع أي مستخدم .. وهذا خلل واضح .. فالديمقراطية أو حقوق الانسان بمفهومها الشامل وغيرها من مظاهر التطور الحضاري عمومًا ..ليست سلعة يمكن استيرادها ..أو فرضها وفق أي اجندة على مجتمع ما .. إذ أن أولويات المجتمعات تختلف وفق أوضاعها الاقتصادية والأمنية ومدى نضج تجربتها السياسي . 

فعلى سبيل المثال .. عندما تسعى منظمات حقوقية الى فرض قيم اجتماعية على مجتمع ما .. مثل قضايا المثلية أو غيرها من قيم تتنافي مع طابع الاسرة أو القيم المحافظة في المجتمعات ذات البعد التاريخي والقيمي .. كجزء مفروض من باقة الديمقراطية المستوردة .. فهذا بطبيعة الحال يصنع تمزق اجتماعي . 

أين يأتي دور منظمات حقوق الانسان في مشروع الشرق الأوسط الكبير؟
بالمناسبة المنظمات الحقوقية ليست شرًا .. وإنما هي منظمات يحتاجها المجتمع السياسي لتحقيق توازن بين جوانبه .. ودائمًا تكون على اطراف الحالة السياسية وليست في قلبها .. وعادةً يتعرض النظام الديمقراطي الى خطر عندما تسيطر هذه المنظمات على المجتمع السياسي لأنها لو سيطرت على النظام السياسي سيختل توازن النظام كله .. لأن ممارساتها في الغالب احتجاجية .. فهى تناقش قضايا النزاع الاجتماعي وليس قضايا المجتمع أو الاجماع الوطني . 

إلى جانب ذلك تكمن المشكلة دومًا في برنامج الحقوقي .. خاصة بعد أن تم الخلط بين دور المنظمات الحقوقية والتنظيمات الاحتجاجية وفق أنماط حرب اللاعنف وغيرها من الأدوات الاحتجاجية التي تحوى داخلها حالة عنف مُفرط .. فالحقوقي لا يستطيع العيش بعيدا عن بنية ازمة اجتماعية .. فالمطالب الحقوقية تحتاج دومًا الى بيئة أقليات وطوائف ونزاعات متعددة حتى تستطيع أن تمارس دورها في البنية السياسية والاجتماعية .

وتكمن الأزمة في الفارق بين من يتدخل ليعالج الأزمة السياسية والاجتماعية وبين من يتدخل لتأجيج الحالة .. وكثيرا نرى مواقف حقوقية تتدخل للمزايدة حتى على من يحاول الإصلاح . وهذا هو الفارق بين الإصلاحي والاحتجاجي . 

ما هي شروط الديمقراطية الحقيقية على عكس نموذج الشرق الأوسط الكبير ؟
شروط الديمقراطية الحقيقة :-
- السيادة الوطنية
- المواطنة
- نخب سياسية وفكرية غير طائفية
- اقتصاد له قاعدة اجتماعية كبيرة
والاجابة عن هذا ستكون موضوع مقال آخر 

وختامًا .. كل ما سبق من أسئلة وأجوبة .. هو تحليل لنموذج ديمقراطيات الشرق الأوسط الكبير ورعاتها الاقليميين والدوليين .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط