"قفازات، جاكت، واقي مفاصل، خوذة" بتلك الأدوات خطفت منى السهار الأنظار وهي تجوب شوارع الإسكندرية، لتستقبل ردود الأفعال في الهواء الطلق بين التشجيع والترحيب، فتحولت في فترة قصيرة من فتاة تهوى ركوب الدراجات النارية لمحترفة تُدرب أخريات غيرها، وتشجيعهن على دخول تجربة اشتهرت لأعوام بكونها حِكرًا على الرجال فقط.
"كنت عايزة اتدرب وبدور على شخص يعلمني".. تذكرت منى السهار بداية القصة بلمعة عينيها الضيقتين، وأخذت تروي بحماس عن طلبها بالمساعدة لأحد زملائها في العمل، والذي بمثابة الدافعة الأولى لشراء الدراجة النارية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتها، كسرت قواعد المنطق بشعورها نحو الـ "سكوتر" فتوجهت لشرائه اولًا.
شعرت "السهار" بالفرحة العارمة عند وجود الدراجة النارية بالقرب منها، فبدأت في خطوات تحقيق حلمها الذي ولد بداخلها بالرغم من امتلاكها سيارة صغيرة لقضاء مشاويرها الخاصه، الا انها لم تنجذب لركوبها مثلما حدث مع الدراجة النارية.
فتاة تمتلك الإرادة والمثابرة تسعى على الوصول لهدفها الذي يُعد عن البعض "للرجال فقط"، لكنها لم تستلم لحواجز فعلها الإنسان والتي بإمكانها ان تحطمه بالنجاح، وبدأت في البحث عبر موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك" حتى تواصلت مع جروب يسير في أفواج بشوارع عروس البحر المتوسط، "اتعلمت منهم الجرأة والشجاعة" على حد وصفها لـ"صدى البلد".
بعد عدة تدريبات بمفردها والتعود للسير على الاسفلت دون خوف مع مراعاة ارتداء ادوات الحماية، اصبحت منى السهار من اشهر الفتيات اللاتي تمتهن قيادة الدراجة النارية بجدارة، وخطفت الأنظار بقيادتها الماهرة، وتمكنت في مساعدة كل من يريد التعلم، "لقيت بنت عايزة تتعلم فطلبت مني، ترددت في البداية بس علمتها، ولقيت كل شوية يجيلي ناس عايزين يتعلموا" مثلما ذكرت السهار.
كسبت ثقة نسبة كبيرة من الشباب والفتيات فبدأ العديد يتوافدون عليها لتعليمهم القيادة بإحترافية، فانشأت صفحة عبر موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك" باسم خاص بها "اكاديمية السهار"، والتي اصبحت "اشهر من نار على علم" بالاسكندرية.
"هتقعي.. هتموتي".. كانت تلك الكلمات تقع على سمعها كصوت الرصاص في الحرب، لكنها لا تبالي، واستمرت في مشوارها التي بدأته عند قرارها بامتهان قيادة الدراجة النارية، مؤكدة أنه من أكثر القرارات الصائبة بحياتها.
منى السهار تجمع بين المُدربة والسائقة المحترفة، فلكل منهما أثر في حياتها، "السواقة لوحدي بتحسسني بالحرية والانطلاق والنشاط، اما وانا مُدربة بشعر بالمسئولية والانجاز" هكذا وصفت الفرق بين اللقبين.
لم يتوافد على الأكاديمية الفتيات فقط بل الشباب ايضًا، وبالرغم من انحيازها للجنس الناعم إلا أن الشباب يتمتع بشجاعة مقارنة بهن، وصفت منى السهار هذا الفرق بين الشباب والبنات قائلة "الشباب بيتميزوا بالجرأة والتركيز، اما بعض البنات مش عارفين يفصلوا بين حلمهم والكلام اللي حواليهم".
تنطلق صاحبة الشهرة الواسعة بشوارع الإسكندرية بحماس وتركيز في القيادة فإنها تحرص على الانفصال على العالم الخارجي وتتجاهل الأصوات المحيطة "كلاكسات العربيات" حتى تتلاشى الوقوع في خطأ، وشهدت طرق السفر حماس عجلات دراجتها النارية، "سافرت القاهرة والعين السخنة وبورسعيد، من امتع التجارب التي خضتها".
وتستطرد نورهان إحدى الفتيات المتدربات بأكاديمية السهار التي بدأت قيادة "سكوتر" منذ 3 شهور، "في البداية انا حبيت شكله، وبعدين حبيت اخوض التجربة" هذه الدوافع التي جعلت الفتاة تكسر قاعدة للرجال فقط.
بالرغم من صغر سنها ودراستها بالمرحلة الثانوية التي تحتاج إلى التركيز الشديد الا انها لم تتردد في المطالبة بشراء الـ"سكوتر" من والديها واللذين لم يعترضا الا بسبب خوفهما الشديد من الحوادث التي لم تخل الطرق منها ولاسيما كورنيش الاسكندرية.
"قيادة السيارة زي السكوتر ومفيش فرق بين بنت وولد".. بتلك العبارة استطاعت نورهان ان تنال موافقة أهلها، ثم توجهت للتعلم من خلال فتيات أخريات "قيادة السكوتر سهلة بس انا مكنتش منتظمة في التدريب"، ومع البحث المستمر وجدت اكاديمية السهار لتعليم قيادة الـ"سكوتر".
لم تتردد صاحبة الوجه الحسن في التخطي نحو أكاديمية السهار لتستعين بفتاة مثلها لتعليمها بجدية، "انا كنت محتاجة بنت تعلمني عشان امان اكتر" حسب ما صرحت لـ"صدى البلد".
استطاعت منى تغيير معتقدات خاطئة ومن ابرزها تعليم الشباب القيادة بمساعدة فتاة، ذلك الامر الذي يلقى تعنتا شديدا ولا سيما الرجل الشرقي، ليكون محمد ياسر شاب عشريني الذي لم يلق احراجًا في التدريب بمساعدة فتاة وقال "منى شاطرة ومحل ثقة من الجميع، والشارع كان مرحب بينا" بتلك الكلمات وصف ابن اسكندرية التجربة.
"قيادة السكوتر محتاجة ممارسة".. نصيحة "ياسر" لمن يريد تعليم القيادة، ان الاستمرارية هي الحل الأمثل للوصول إلى الاحترافية، مسترسلًا عن مميزات ركوب الدراجة النارية التي توفر الوقت وتخطي الزحمة التي يعاني منها من يقود السيارة، فهي وسيلة نقل اقتصادية.