الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشيخ سعد الفقي يكتب : مولانا

صدى البلد

فى بدايات عملي فى وزارة الأوقاف، عملت إمامًا وخطيبًا لمسجد الشيخ عبيد بمدينة نبروه، وهو من أكبر مساجد المدينة فى ذلك الوقت. وللمسجد مكانة فى قلوب أبناء المدينة فقد عمل فيه الراحل الشيخ محمد متولى الشعراوى، إمام الدعاة والشيخ العلامة الزاهد الراحل عبدالسلام أبو الفضل، أحد أعلام مدينة المحلة الكبري. إضافة إلى كوكبة من العلماء الذين صعدوا منبره على مر الزمان.

وفى المسجد الشهير تعلمت كيف يكون الداعية إلى الله قدوة ونموذجًا يحتذى به، وكان من حسن حظى أن التقيت بالوالد الكريم الراحل الحاج سيد أبوميرة، وهو من تجار المدينة وأفقههم بأمور الدين والدنيا.

تعلمت منه أن الدعوة إلى الله رسالة لا وظيفة، وأن الجزاء الأوفى يكون من الله الذى لا تضيع عنده الودائع.

تعلمت أن أعطى بلا انتظار، وأن أوثر بلا طمع بما فى أيدى الآخرين، وأن أترك حمولى على الله، وأن أكون عفويًا فى كل تصرفاتي، وأن أجتهد فى إرضاء خالقي.

كما تعلمت منه البساطة فى المشى وفى المأكل والمشرب، وأن الأرزاق بيد الله وحده، وأن أحترم الصغير والكبير. 

معان كثيرة تعلمتها من الرجل الذى كان قبلة للحيارى والمحتاجين ومن عضهم الدهر بنابه. ولولا مشقة السفر من قريتى إلى المدينة لتمنيت المكث فى مسجدى لسنوات عديدة.

المهم أننى بعد عمل استمر لأكثر من عامين، طلبت نقلى إلى قريتى حيث أسكن، ولم يدر بخلدى أن العمل وسط الأهل يمكن أن يجر عليك الويلات، وكان لا بد من عبور كل المطبات وليس أمامك إلا تحمل زيادة الأعباء وثقل الأحمال. خضت التجربة الجديدة على نفسى إلا أنها كانت فريدة ومثمرة.

وفى مسجد القرية القديم أو الكبير، كان من حسن حظى أن التقيت الراحل الشيخ ذاكر يوسف عبد الحميد، وهو من الرعيل الأول لحفظة كتاب الله، إضافة إلى ذلك كان خادمًا للمسجد، وفى أوقات فراغه كان صيادًا للسمك.

وكان يحلو له الاصطياد بعد صلاة الفجر حتى الشروق. وكان كثير العيال، وللراحل الكريم معى مواقف نبيلة لا يمكن حصرها، وإن كان عنوانها الأبرز الإخلاص والإيثار، ومع أنه كان وسيط الحال إلا أنه كان كريمًا، فمن يديه تحتسى كوبًا من الشاى قل أن تجد له مثيلًا.

وقد كان يختصنى بتناول الأسماك التى يأتى بها من البحر. ومن فضائله، أنه سمح لى بقيادة مركب الصيد الذى كان زادًا له فى هوايته مرة بعد أخرى، حتى أصبحت قائدًا ماهرًا بشهادة الجميع.

وكم من المرات كنت أنفرد بقيادته وأتحرك به ذهابًا وإيابًا لمسافة تزيد على الكيلو متر، لا سيما فى شهر رمضان المبارك، وتحديدًا قبل الإفطار، رحم الله مولانا الذى غادرنا إلى العالم الآخر منذ سنوات، إلا أننى أبدًا لا أنسى له مواقفه وكرمه، وأنه كان خادمًا مخلصًا لبيوت الله.