قبل أن أسرد قصتي وودت أن أسأل سؤالا هل عندما يقوم شخص بعمل حر من أجل شخص آخر مثل النجارة أو السباكة أو العمل القانوني أو الحياكة, أي الأعمال التي يتوقف تحديد الأتعاب فيها علي الشخص القائم بالعمل نفسه وتقديره لجهده.
هل عندما يقوم بعمله ويريد الشخص المستفيد دفع المقابل فيخبره أدفع ما تشاء , فيدفع الشخص وهو لا يعلم مبلغ ثلاثة أضعاف السعر الحقيقي , ولا يرد له صاحب العمل الحر الباقي . أليس ذلك إستغلالا ؟
لأنه في المقابل لو دفع له أقل سيقول له أكمل المبلغ إلي كذا . ولن يقبل بأقل مما يشعر أنه حقه إلا في حالات معينة وإعتبارا لمشاعر أو مصالح بينهما .
أما قصتي فقد روتها صديقة لي تسكن في إحدي المحافظات . قالت : كنت أذهب أنا وزوجي لمساعدة أسرة مكونة من أب وأم وأولاد , وكانت تلك الأسرة تقيم في منزل يدل علي أنها تحت خط الفقر في منطقة تعتبر عشوائية أو فقيرة .
وكنت أحيانا أفاضل بين ما أقدمه لها وما أحتاج أن أشتريه لنفسي وكنت أفضلها علي نفسي . بل وأنني كنت أتحدث مع من أعرفهم من أجل مساعدة تلك الأسرة . وكنا نذهب إليهم شهريا ومعنا بعض مستلزمات المنزل وبعض النقود .
ويوما ما ذهبنا وطرقنا الباب فلم نجدهم , وبعد طرق الباب مرات فتحت جارتهم النافذة وقالت أنهم رحلوا إلي منزل جديد , وأعطتنا العنوان , فبالطبع ذهبنا فورا .
ووجدنا المنزل مبني دورين بالمسلح في منطقة تعد غالية السعر , ومن الخارج يكسوه طلاء زيتي وشككنا في العنوان , وعندما طرقنا الباب فتحت لنا , وشعرت بالخجل ودخلنا فوجدنا البيت كله بالسيراميك وبه من الأثاث ما هو حديث وجميل وأجهزة كهربائية .
وأكملت وتركنا الأشياء ومشينا صامتين , شعرت أنها كانت تضحك علينا , وأنا أقيم مع زوجي في شقة إيجار , ولا أفكر مجرد تفكير في شقة تمليك . قالت : ( بصراحة حسيت بغيظ أو كان مضحوك عليا) .
قلت لها ربما ما كنتي تدفعينه لها كان من الممكن أن تذهبي به للطبيب ولكن الله منع عنك ألم المرض , وهي في الأساس لم تطلب منك , فكانت المبادرة منكم لوجه الله , وما كان لوجه الله لا يضيع أبدا .
ووجدت أن تلك القصة تتكرر كثيرا بأشكال مختلفة , فقد يظهر الأخ لأخيه أن حالته المالية غير متيسرة من أجل أن يعطف عليه بالرغم أنه يعيش في حال أفضل منه , وقد يشكو الأبن دوما لأبيه أو لأمه سوء الأحوال من أجل أن تعطيه من مالها فتحرم نفسها في الوقت الذي يبذخ هو وأسرته . ووجدت أمثلة كثيرة لا حصر لها في تعاملات البشر مثل تلك الحالات .
ويوما ما حدثتني صديقتي عن فتاة تسألها عن ملابس وأكتشفت أنها تسأل كل من تعرف من الأسر الميسورة , ولا تكتفي , فهي دائمة السؤال لدرجة أنها ساورهاالشك أنها تقوم ببيع تلك الملابس لأنها أكثر من إستعمال خمس فتيات وغالبا في حالة جيدة جدا.
ويوجد أيضا استغلالمن بعض الناس في الحصول علي كل ما هو مجاني حتي لوكان لا يحتاجه , مثال خدمة أو دعم تقدمه الدولة للمحتاجين .مثل التأمين الصحي التي يؤخذ بدل الروشته شامبو وعطور.
أو في الموائد العامة ( أو البوفيه المفتوح ) فيأكل أضعاف طاقته لأن الأكل مجاني , وقد يأخذ ما يايزيد عن حاجته ويتسبب في إلقائه في القمامة , فقط لأنه بلا ثمن . الأمثلة كثيرة
كنت أعلم أن البعض يستغل المشاعر والمواقف , ولكن وجدت أيضا أنه يوجد أنواع أخري من الإستغلال والتي لا يعاقب عليها القانون. وذلك بخلاف حالات التسول أو الإستغلال المالي التي يوجد نص قانوني يجرمها .
وأتساءل لماذا يفعل البعض ذلك وهو لا يحتاج , لماذا ينكر نعم ربه عليه ؟ , وهل هذا السلوك حلالا ؟ هل هو يشعر بالرضا وهو يأخذ ماليس له , وربما يحرم آخر في أشد الإحتياج .
لا أدري ...ولكن يقيني أن تلك السلوكيات بعيدة عن الدين , بل وغير أخلاقية , ولا يفعلها الشخص السوي .فالتعفف من صفات الكرماء .