شاءت الظروف أن يأتي قرار تنفيذ حظر التجوال مع أول يوم في شهر شعبان والذي ترفع فيه الأعمال إلى رب العباد وكـأنها ضربة قدر سماوية لينتهز كل منا فرصة بقائه في البيت فيعيد حساباته الذاتية وقبل أن ينصب نفسه محللًا سياسيًا وعالمًا بخفايا الغيب، فيلقي التهم على العالم بحكامه ويحملهم مسئولية تصنيع هذا الفيروس المسمى "كورونا" بسرد مظالم البعض تارة والسكوت عن ضحايا الحروب والكوارث تارة أخرى، مؤكدًا أنه خبير ببواطن الأمور بما فيه من أجندات خارجية، يضع نقطة فاصلة ويراجع أجندته الخاصة أولًا..
وبدلًا من أن يتحدث عن غضب المولى عز وجل بفعل افتراءات الغير ويلم الناس في مظاهرة تهليل وتكبير ضد الفيروس المستجد يجلس مع ذاته ويقدم كشف حساب أمام مرآته لأفعاله قبل أقواله،... هل يراعي خالقه في كافة كلماته وتصرفاته؟!،.. يعطى الحقوق لأصحابها مثلما يطالب الغير بواجباتهم تجاهه، في عمله يتجاوز عن الصغائر وسواء كان رئيس أو مرؤوس يحكم ضميره أولًا ويركز على كل ما هو مهني قبل كل شيء، أم يصغى إلى القيل والقال ويحيك المؤامرات لأي من منافسيه!.. وإذا عاد إلى منزله يحتوي جميع أفراد عائلته، فيعرف ماهية مشاعرهم وخبايا قلوبهم ليشملهم بعطفه وحنانه أم يعيش معهم تحت سقف واحد وكل منهم في جزيرة منعزلة عن الأخر، أبن يتسلى بمغامراته العاطفية أو ينغمس في صفحات التواصل الاجتماعي التي تحرض على العنف وألعاب هاتفية أخطر من أي عملية إرهابية، وابنة تنقب عن الغرام في عالم افتراضي فتعرض نفسها للوقوع في مصيدة المتلاعبين بقلوب الإناث على الفيسبوك، وزوجة تشكو المرار جراء إهماله وتجاهله بينما ينشغل هو في حكاوي عشقية لا نهائية، والغريب أنه يترك كل هفواته وبمنتهى البراءة ينتقد قرارات العالم التي أدت لفاجعة اجتاحت الكرة الأرضية بأسرها..
ورغم يقيني أن ما حدث جراء غضب الطبيعة من صنع البشر لكنني ضد أن أغفل أو أتغافل أنا وأنت ونحن عن أخطاءنا ونركز في ما فعله الأخر، فلما لا ننتهز فرصة حظر التجوال في ترميم ذاتنا، نصل أرحامنا برسالة أو مكالمة هاتفية، ونعيد أواصر التواصل ونعتذر لكل قريب، صديق، جار، زميل، أو حتى غريب تسببنا في أذيته بحسن أو سوء نية.. لماذا لا نقلع عن عاداتنا الغذائية الاستهلاكية ونستبدلها بأخرى نغذي بها عقولنا، فنكف عن الهرولة إلى الأسواق كي نشتري ما لذ وطاب من مشرب ومأكل، ونذهب للمكتبات بحثًا عن كتاب مفيد ربما يساعدنا على رسم خارطة طريق لمستقبل أفضل.. لما لا نتوقف عن قراءة تفاصيل وهوامش كل ما هو معاد عن الفيروس المستجد وننفذ نصيحة طبيب النفس الشهير الدكتور أحمد عكاشة ونكتفي بقراءة الجديد عن كورونا مرة واحدة فقط خلال اليوم ونقضي بقية ساعاته في تثقيف أنفسنا بموضوعات تجلب السعادة..
والأهم من كل ما سبق، أن نتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وننتهز فرصة بقائنا في المنزل خلال شهر شعبان الذي يفرق فيه كل أمر حكيم ويبرم ونكثر من الصلاة، التسبيح الاستغفار، وقراءة القران وكلنا أمل ورجاء أن يرفع عنا الوباء ويحمي بلادنا بقائدها وجيشها وشعبها من كل شر وبلية..