الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المجددون في الإسلام.. الشيخ الشعراوي (2)


لقرون طويلة قادمة، سيبقى الشيخ محمد متولي الشعراوي، ليس فقط إماما للدعاة، ولكن هرم التجديد الديني في القرن العشرين، بعدما استطاع اكتساب مكانة صعب أن يطاوله فيها أحد، فالشيخ الشعراوي لم يقف تجديده عند حد وضع نظريات دينية ورؤى جديدة في الدين تناسب العصر وتناسب متطلباته، ولكنه وصل بفكره المستنير واستقرائه لآيات الله في كتابه الحكيم لمئات الملايين في مختلف جنبات العالم الإسلامي ولا يزال.


وقد احتار كثير من الباحثين في رؤى الشيخ الشعراوي وقدرته الطليقة في تفسير كتاب الله، وفي إيضاح معاني ودلالات لم يسبقه اليها أحد، لكنه رحمه الله قال في واحدة من برامجه الشهيرة، وهى الحقيقة، أنها نفحات ربانية وصفائية تنزل على قلب المؤمن، لذلك كانت أشبه ما تكون تجليات روحانية تظهر أمام عينه وهو يقرأ كتاب الله ويفسر مختلف آياته.


وقد عاش الشيخ الشعراوي، علمًا في التجديد الديني، وبعد وفاته منذ 22 عامًا، لأنه قدم نظرية جديدة في التجديد الديني، ولم يقف بالتفسيرات التي قدمها عن حد الرؤى التي وضعها كبار المفسرين للقرآن الكريم من قبله، ولكنه بنى عليها وزاد كثيرا، فقد كان يعلم ان كتاب الله العزيز صالح لكل مكان وزمان، وهو ما نجح فيه باقتدار، وكان كتاب الله بين يديه نورا يشع للملايين التي تسمعه وتنتظر طلته الأسبوعية الشهيرة في التلفزيون المصري.


وفي رأيي وإضافة لموهبته الربانية، رحمه الله فقد كان ابتعاده عن "مهلكة السياسة" وتياراتها المتناقضة المتضاربة، هو ما حافظ على توهجه الديني، وبعيدًا عن مواقف وذرات متفرقة حاول خصومه، أن يقفوا عندها وينالوا منه، مثل موقفه في عام 1967 أو غيرها وهى لم تتأكد من جانبه، استطاع الشيخ الشعراوي أن يحقق ما أراد وأن يصل علمه ولا يزال للملايين بلغة مبسطة سهل أن تتكرر.


فالسياسة مهلكة ومفرقة، وعندما تتباين سياسيًا مع الآخر، فإنه سيلحق بك أسوأ الصفات هكذا حالها في كل العصور وفي كل الأوطان، لذلك أعلى الشيخ الشعراوي رحمه الله من قيمة الوطنية، فوطنيتك أهم من توجهك السياسي، وفهمك الصحيح لآيات الله وتعاليمه وحرصه على الحياة ونبذه لكافة ألوان التطرف والتعصب والتشدد والدموية، هى جل ما ينشده كل إنسان. وكانت هذه هى أول المزايا التي أتاحت للشيخ أن يصل الى جمهوره الفريد والواسع من كافة ملايين المسلمين، علاوة على موهبته الربانية في تقديم المعلومة بأسلوب رشيق وتفسير الآية دينيا واجتماعيا واقتصاديا وفلسفيا ولغويا، فقد كان رحمه الله بحرًا في العلم ولا يجارى وهذا بشهادة معاصريه.


وقد توقف الملايين مذهولين، أمام موهبته الربانية الفريدة وقال عنه الكاتب الإسلامي الراحل، أحمد بهجت، صاحب الكتاب الشهير أنبياء الله، أنه واحد من أعظم الدعاة إلى الإسلام في العصر الذي نعيش فيه، والمَلَكة غير العادية التي جعلته يُطلع جمهوره على أسرار جديدة وكثيرة في القرآن، كانت ثمرة لثقافته البلاغيه التي جعلته يدرك من أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم ما لم يدركه الكثيرون غيره.


وقال عنه المفكر  الاسلامي الراحل، د. محمد عمارة، ان الشيخ الشعراوي قدَّم لدينه ولأمته الإسلامية والإنسانية كلها أعمالًا طيبة، تجعله قدوة لغيره في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وقال عنه د.  سيد طنطاوي  شيخ الأزهر الراحل، كان له أثر كبير في نشر الوعي الإسلامي الصحيح، وبصمات واضحة في تفسير القرآن بأسلوب فريد، جذب إليه الناس من مختلف المستويات الثقافية، وهو ما لم يتحقق لغيره.


حفر الشيخ الشعراوي اسمه بحروف من ذهب، لأنه نطق بالاسلام الصحيح، وسط دعوات بغيضة ودموية ووسط دعاوي شاذة ملأت آفاق القرن العشرين وبعده، وهى أبعد ما تكون عن رسالة الاسلام الوسطية، وقد كتبت مقالا في العام الماضي، عن الشيخ الشعراوي في هذا المكان وطالبت بتدريس منهجه في الدعوة الإسلامية داخل الأزهر الشريف ولا أزال أكرر الطلب، فالشعراوي هو إمام مجدد ورؤاه في الاسلام واستخلاص العبر والعظات من دعوته لله، ورؤاه في مختلف القضايا الدينية والحياتية المعاصرة، سيفيد أجيالا كما أن تدريس منهج الشعراوي الوسطي في الأزهر، هو أفضل ما يمكن أن يقدمه الأزهر الشريف في التجديد الديني خصوصا وأن دعوة الشيخ وطوال عقود من ظهوره تزامنت مع ظهور تيارات إرهابية ودموية ليس في مصر فقط، ولكن في العالم أجمع ومن خلال تفسيره للقرآن الكريم ودراسة علمية متفتحة لخطبه الدينية يمكن البناء على محاور عدة، كما أن محبي الإمام رحمه الله قد قسموا أحاديثه الى قضايا عدة ظهرت في كتب، لاقت رواجا كبيرا ويمكن للأزهر الشريف أن يراجع كل هذا ويخصص كرسيا باسم الشيخ الشعراوي داخله لدراسة فكر "إمام مجدد" صعب أن يجود الزمان بمثله قريبا ونحن أحوج ما نكون إلى هذا الفكر.


رحم الله الشيخ الشعراوي جزاء ما قدمه للدعوة الإسلامية ولا يزال رغم رحيله.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط