الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ضياء العطيفى يكتب: هل تعيد كورونا النظام الشمولي؟

صدى البلد

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية والصين لإثبات كل منهما تفوقه على الآخر  في التغلب على فيروس كورونا والنجاح في مواجهته، إلا أنه يبدو أن الصين متفوقة حتى الآن على واشنطن، في إجراءات الوقاية من الفيروس، لتتزايد فيه الاتهامات المتبادلة بين القوتين العظميتين حول هذا الفيروس
أن تعامل السلطات الصينية من انتشار فيروس كورونا، وكيف أنه فضح أساليب النظام الشمولي في بكين.

الأنظمة الشمولية ربما تكون مؤهلة أكثر من غيرها للسيطرة على الأوبئة، فعزل منطقة يعيش فيها 30 مليون شخص مثل ما تفعل الصين في ووهان لم يحدث في أي مكان آخر في العالم. فبكين تسعى إلى إنشاء شبكة مراقبة قادرة على تتبع كل فرد أينما كان وفي كل وقت لتتبع العدوى وانتشارها.

ويندهش الناس في الغرب عندما يسمعون أن السلطات في ووهان بصدد بناء مستشفى جديد خلال أسبوع . تراجع أعداد الضحايا في الصين إلى الحد الأدنى، حيث لم يتجاوز عدد الإصابات بالفيروس خلال اليومين الماضين حاجز الخمسين إصابة، مقارنة بمئات الإصابات الجديدة التي كانت تسجلها اللجان الصحية يوميا في شهر فبراير الماضي. ويرجع الفضل   تراجع أعداد الإصابات إلى الإجراءات والتدابير الصارمة التي اتخذتها السلطات الصينية على مدار الأسابيع الماضية، حيث تم فرض حجر صحي على أكثر من ستنين مليون مواطن في مقاطعة خوبي، وهو الحجر الأطول والأكبر في التاريخ، إذ لم يسبق لدولة أن أقدمت على مثل هذا الإجراء حتى أثناء انتشار الطاعون الذي قضى على نحو 25 مليون شخص في أوروبا بين أعوام 1347 و1351.

تسابق العديد من الأنظمة في محاولة للحد من انتشار الفيروس والسيطرة عليه. ولا تزال الجهود الدولية مستمرة من أجل التوصل إلى وسائل ناجحة لاحتواء الأزمة. ومع نجاح الصين في محاصرة الفيروس وخفض أعداد الإصابات، بدأت تثار تساؤلات حول إمكانية استنساخ التجرية الصينية وتطبيقها عمليًا. ولكن، قبل الخوض في هذا الأمر، لا بد من الإجابة على السؤال التالي: من هي الجهة أو المجموعة المخولة في الدولة للتعامل مع تفشي الفيروس؟

و هل هي جهات سيادية أم تكنوقراط؟

 فإذا كانت الإجابة: الجهات الصحية، فإن قرار العزل الصحي على سبيل المثال يتطلب وجود قوة ملزمة، هذا إذا توفر الاستعداد النفسي لدى الشعوب للانقياد أو الانصياع لمثل هذه الأوامر. وإذا كان الساسة هم المخولون بإصدار التعليمات، فإن الشعوب فقدت الثقة في الأنظمة الحاكمة خصوصًا خلال العقد الأخير الذي شهد أزمات وصدامات متعددة بين الجانبين، فضلًا عن أن سلطة هذه الأنظمة محدودة حتى في مجال تطبيق السياسات الأساسية. لذلك يبدو من الصعب تطبيق الاستراتجية الصينية في دول أخرى، وربما تكون هذه هي الحسنة الوحيدة أو الأبرز للنظام الشمولي في الصين، وإلا كيف يمكن إلزام أكثر من ستين مليون مواطن بالبقاء في منازلهم لأكثر من شهر، دون أن يخرج أحدهم شاهرًا سيفه
وفى اعتقادى  أنّ الكارثة  الصحية في الدول المتقدّمة تكنولوجيًا وضعت الديمقراطية الليبرالية في مواجهة مع النفس لترُاجع بنيتها السياسية بناء على العديد من المعطياتٍ المستجدّة والمؤثرة إلى حدّ الانقلاب على الذات، مشيرًا إلى أنّ تفشّي فيروس كورونا “كشف عن عمق الأزمة الكامنة داخل الفكر الديمقراطي الليبرالي، من حيث الدولة في النموذج الغربي التي انتقلت من الدولة الحارسة كما أنتجها القرن الثامن عشر والتاسع عشر إلى دولة الرعاية التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكن ضرورات التصدّي لانتشار الفيروس اليوم أدت إلى عودة المفهوم التقليدي للدول، التي تحتكر قوة القهر والإجبار، وهو الأمر الذي لا شكّ ستكون له تداعيات أساسية في المستقبل كجزء أساسي من الأسئلة الكبرى التي بدأت منذ مطلع هذه الألفية، وتتمحور حول إعادة تعريف دور الدولة وآليات تدخُّلها في المجتمع”.

في حين باتت الولايات المتحدة تكافح الفيروس على أرضها، يقول محللون إن الصين تحاول الإسراع في إعادة تموضعها كزعيم عالمي بديل.
وقالت مارينا رودياك الخبيرة في المساعدات الخارجية الصينية في جامعة هايدلبرغ “يوفر فشل حكومة الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب في تقديم أي استجابة دولية ذات معنى، وانشغالات الاتحاد الأوروبي بالاستجابة المحلية، فرصة فريدة لحكومة الصين لاستغلال هذا الوضع”.
الآن بعد جائحة كورونا وآثارها، التي لا تزال قائمة، الأمر اللافت أن النظم الصحية في الدول الرأسمالية، ومنها الولايات المتحدة أظهرت عدم الكفاءة في الأزمة الحالية، بعكس الصين التي تعاملت بكفاءة عالية لمواجهة كورونا، كما أن فاعلية التأمين الصحي كان أضعف مما كان متوقعًا، وهذا لا يبرز خللا كبيرًا في النظام الليبرالي الذي يعتمد على المنافسة والربحية، وإجراءات المناقصات، في غياب مسؤولية الدولة السريعة في الأزمات والتغيرات….

بعد هذه الجانحة فإن الكثير من المحللين والاستراتيجيين في الغرب ـ ومنهم السياسي الأمريكي، وأحد المقربين من المحافظين الجدد، د. هنري كيسنجر ـ يرون: أن الأوضاع بعد كورونا في العالم كله، لن تبقى كما كانت.. وهذا يعني، أن مقولة نهاية التاريخ عند فلسفة بعينها، كما قال فوكوياما، ستبقى مجرد أحلام لواقع وظروف آنية غير منطقية أو علمية، ومن هذه المنطلقات فالتوقعات أن التاريخ سيستأنف مرة أخرى ولن يتوقف، بعد جائحة كورونا برؤية أخرى جديدة ومغايرة، ربما تخفف من غلواء وسلبيات حركة السوق المطلقة دون تقييد…

الخلاصةإنه من المبكر التوصل إلى أحكام قاطعة بشأن ما خلفه الفيرس من آثار على أنماط تفكير وهدم نظريات، لأن تداعيات الأزمة لا تزال في إطار عدم اليقين، بمعنى أنه ليس قطعيا إن كان التعامل في الدول الشمولية مثل الصين مع الأزمة سوف يواصل صعوده أم لا.

يبدو الخروج بحكم بات، ورؤية قاطعة، بشأن أي النظم السياسية أصلح للتعامل مع الأزمة مسألة صعبة بسبب غموض الفايروس واختلاف درجة شراسته من مكان لآخر، فضلا عن سرعة تحوره وانتشاره وتنوع تأثيراته.

وإذا كان من الصحيح القول إن النظم المعبرة عن الليبرالية الجديدة فشلت تماما في مواجهة الوباء، فإن هناك نظما شمولية عاتية فشلت أيضا في المواجهة، مثل النظام الإيراني الذي لم ينجح رغم السلطات الواسعة الممنوحة له في وقف تفشي المرض.

ويؤكد هذا الاستنتاج أن كورونا لا يُعيد التبشير بالنظم الشمولية على نطاق واسع بحكم أنها قادرة على اتخاذ إجراءات صارمة لحماية الشعوب، لكنه يكشف مكونات الترهل الذي ظهرت معالمه على القيم الليبرالية، بما يفرض إعادة النظر في بعض قواعدها.