الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سيد جلال


لا كان باشا ولا بك ولكنه  حاصل على ما هو أهم وأقوى "محبة الناس" إنه المليونير العصامى صاحب المصانع والأعمال الخيرية والمواقف الجريئة وعضو البرلمان على مدى  50 عاما إنه الحاج سيد جلال .


صعيدى النشأة من مواليد قرية  بنى عديات بمحافطة أسيوط عام  1901م ، كان طفلا يتيما توفيت والدته بعد أشهر من ولادته وتوفى  أبوه وهو فى الخامسة ، كفله خاله وأدخله كتاب القرية وحفظ القرآن وهو فى السابعة ،لم يشأ أن يكون عبئا على خاله وكان له من الابناء عشرة  فقرر ان يبدأ حياته فى القاهرة.


نزل سيد جلال عند أقاربه فى بولاق أبو العلا، وعمل فى فرن وكان يقوم بتوزيع  الخبز ثم عمل شيالا فى محطة مصر، ثم على عربية كارو بحصان لنقل البضائع ولم يتجاوز عمرة  12 سنة.


سافر سيد جلال الى بورسعيد وهناك عمل ساعيا فى مكتب للنقل البحرى فى شركة يمتلكها يونانى، ومن خلال تعاملاته مع العملاء استطاع ان يتقن اليونانية والفرنسية والايطالية قراءة وكتابة وتحدثا، وتعلم أيضا بعض المعاملات التجارية فى التصدير والاستيراد وكان عمرة  18 سنة  . وبعد الحرب العالمية الأولى تعلم اللغة الرومانية والأرمينية بمساعدة رجل يونانى وآخر شامى وبعد موافقة صاحب المكتب بدأ فى إدخال نشاط جديد بعد انتقال  المكتب الى القاهرة .   

                   

بعد أن اكتسب سيد جلال الخبرة التى تؤهله للاعتماد على نفسه ، استأذن صاحب المكتب اليونانى فى أن يستقل بنفسه فى التجارة على أن يورد له المكتب شحنات الدقيق والقمح فوافق الرجل، بدأ سيد جلال تجارته فى الغلال  وأخذت تتسع حتى أصبح من أكبر تجار الغلال فى منطقة سوق روض الفرج ، وبدأ يتعامل مع تجار الصعيد ومع الشركات الكبرى فى القاهرة والإسكندرية،حيث إمتلك أكبر شونة غلال فى منطقة الساحل . ويقول ابنه فى كتابه عن والده " انه إكتفى بالمكسب القليل حتى لا يرهق كاهل الفقراء " .. وكأنه استفاد من مقولة أحمد عبود باشا وكان صديقا له يكن له كل الاحترام حيث قال عبود باشا: " لا تأنف من القيام   بأى عمل شريف مهما كان صغيرا ، وبإصرارك وبعزيمتك يمكن ان تجعل هذا العمل عظيما ولا تنتظر الربح السريع فالربح البطئ دليل النجاح ولا تستسهل عملا لان السهل ينافسك فيه كل الناس ، وعندما تنجح أول الأمر لا تترك أعمالك لمعاونيك وتنصرف إلى حياة الترف والكسل ، ولا تجعل الربح يأخذك إلى الإسراف بل احتفظ بروح حب الإدخار ونمها فى أولادك واجعل علاقتك بالعاملين لديك علاقة محبة ممزوجة بالقيادة الحكيمة " .


كان سيد جلال وفيا للأحياء التى نشأ بها، ولم يغير من صفاته حتى عندما أصبح مليونيرا ،لإيمانه بان ضريبة النجاح فى المجتمع أن يمنح هذا المجتمع جزءا من فكرة وأمواله ، ولذلك وهب الكثير من أمواله للفقراء ، فأنشأ مستشفى خيرى لعلاج الفقراء بحى باب الشعرية وأطلق عليها "مستشفى سيد جلال " وتتبع الآن جامعة الأزهر .


ترشح سيد جلال عضوا بالبرلمان عن دائرة باب الشعرية التى عاش بها لمدة  50 سنة من  1934م وحتى  1984م وأصبح أكبر النواب سنا وأكثرهم قدرة على تلبية طلبات مرشحيه . وخلال هذه الفترة سعى سيد جلال لإصدار قانون من أين لك هذا وقانون منع الأجانب من تملك الأراضى الزراعية وأراضى البناء وقانون محاكمة الوزراء .


وضع النائب سيد جلال وهو فى سن السابعة والستين ، فى زنزانة بالسجن الحربى لمدة 14 يوما سنة 1966م دون سؤال أو استجواب ، لأنه قدم سؤالا فى مجلس الأمة : لماذا لم يدفع أحد كبار الوزراء ثمن الأثاث الذى اشتراه لمنزله من محلات "بونتريمولى" التابعة للقطاع العام؟  


كان يشترى الشركات المتعثرة التى يمتلكها الأجانب ويعيد تشغيلها ويدفع الضرائب المتأخرة حتى لا يفقد العمال وظائفهم ،كما كان يشترى الشركات التى تحتكر السلع ويوسع نشاطها ويزيد من إنتاجيتها حتى يكسر احتكار التجار للاسواق .


سافر سيد جلال إلى ألمانيا وأمريكا ليتعاقد على أحدث الآلات لمصانعة وكان أول من قرر صرف أرباح للعمال قبل صدور القوانين التى تحتم ذلك  فى الستينات ، وعندما احترق احد مصانعه بالكامل بشبرا الخيمة بشرة مدير أعماله بأن الحريق سيمنع تأميم شركتة ولكنه كتب خطابا للصحفى الكبير مصطفى أمين طالبا منه ان  ينشر فى الصحف ان الحاج سيد جلال سيعيد بناء المصنع على نفقتة الخاصة حتى لا يضار العاملون من توقف العمل ولا يهم نعد ذلك ان يؤمم المصنع !وبالفعل حدث وكان المقال تحت عنوان " أعمال سيد جلال لا تحرقها النار " .


وكان لسيد جلال الكثير من الأعمال الخيرية ،  فأسهم  بمبالغ سنوية ثابتة للمجهود الحربى للقوات المسلحة بعد حرب يونيو  1967 م ،وخلال الحرب العالمية الثانية  قام بشراء أرض بور واستصلحها وزرعها بالفواكة ،لأنه كان يؤمن بأن استصلاح الاراضى يزيد من الانتاج الزراعى ،وكان حريصا على بيع منتجاتة بالاحياء الشعبية وبأسعار معتدلة .وأقام مشروعا لدعم غذاء الفقراء ، بحيث تقوم الحكومة بشراء السلع بأسعار السوق وتبيعها للناس بسعر أقل على ان يتكفل الأغنياء بدفع فارق السعر فى صورة تبرعات .          


قال عنه  كاتب أمريكى " هذا الرجل مثال لنموذج الإنسان  المصرى عندما يعمل لصالح بلده لأن امبراطوريتة المالية أشبه بشبكة واسعة تمتد إلى الفقراء والمصريون ينظرون إليه على أنه إنسان الخير الذى يقف بجانبهم"، نجاحه فى إلغاء البغاء كانت ممارسة البغاء أمرا مشروعا فى مصر بعد الحرب العالمية الثانية ،فسعى سيد جلال جاهدا لإلغائها ،وخاض من أجل ذلك معارك عنيفة مع نواب البرلمان ، فكان منهم من يرى أن السماح بالبغاء يحمى الشباب من التعرض للسيدات فى الشوارع، كما يقى المجتمع من الأمراض التى تنتج من هذا الفعل سرا.


استمر سيد جلال فى حملته ضد البغاء لمدة ست سنوات الى أن نجح فى استصدار  تشريع يجرم مهنة البغاء فى مصر عام 1947م ، بعد أن لجأ الى حيلة، حيث دعا وزير الشئون الاجتماعية فى ذلك الوقت  جلال فهيم باشا  لإفتتاح أحد مشروعاته الخيرية فى باب الشعرية ،ثم توجه معه الى شارع كلوت بك أشهر الشوارع المشهورة بمهنة البغاء والتى كانت مصرحا بها من قبل الحكومة ، وبمجرد دخول الوزير لهذا الشارع التفت حوله الفتيات ظنا منهن أنه من راغبى المتعه ،وبدأن فى جذبه حتى مزقت ملابسه وتمت سرقته .. وبعد هذه الوقعة بأيام قليلة أصدرت الحكومة قرارا بمنع البغاء فى مصر . 



 كان سيد جلال صديقا شخصيا لأغلب الأدباء والصحفيين ،وصديقا للشيخ محمد متولى الشعراوى والرئيس انور السادات . توفى الحاج سيد جلال عام  1987م بعد حياة مملوءة بالتعب والشقاء وعمل الخير للفقراء.


يقول الشيخ الشعراوى فى أحد حواراته الصحفية: " عمى سيد جلال كان صاحب مواقف وطنية مشرفه ،وقد اقترحت عليه أن يكلف أحد بجمعها من مضابط مجلس النواب وأن يصدرها فى كتاب للاستفاده منها فهى حافله بالدروس التى لا تعرفها الاجيال الجديدة ".

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط