الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد العريان: ماذا يحدث عندما تتحكم نفقات الخزانة العامة في دفع الاقتصاد؟

دكتور محمد العريان
دكتور محمد العريان

نشر الدكتور محمد العريان، الخبير الاقتصادي المصري الكبير ورجل الأعمال كذلك، مقالًا  جديدًا نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، يتحدث فيه عن دور القطاعين العام والخاص بأمريكا وتحكم الخزانة العامة في التمويل وضخ السيولة المالية، وما يمثله ذلك من مشكلات إذا لم تترجم هذه السيولة لتضمن إدارة صحية للاقتصاد، في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).


نص مقال د. العريان:

اعتمد الاقتصاد الأمريكي على مدار السنوات الـ 15 الماضية، على مزيج من التمويل العام والخاص لزيادة معدلات السيولة بالأسواق المالية، وتعزيز أسعار الأصول ودفع النمو الاقتصادي.


أتاح القطاع الخاص عمليات ائتمان واسعة في الأوقات الجيدة، وضخ القطاع العام سيولة مالية بأحجام هائلة خلال الأوقات الأكثر صعوبة، في عمليات متسلسلة ومتتابعة، وتطور ذلك ليصبح ضخ القطاعين للمال متزامنًا في وقت واحد.


وقد شجعت هذه السيولة في شكل روافع مالية الأسواق ومعظم الاقتصاديين على المضي قدمًا حتى الآن، لكنها ستصبح أكثر إشكالية إذا لم يتم التحقق من صحة إدارة الاقتصاد في المقدمة من خلال نمو قوي شامل للجميع ومستدام أيضًا.


اقرأ أيضًا:

العريان لـ CNN: إعادة فتح الاقتصاد في ظل تفشي كورونا تجربة صعبة

الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان يحذر من تقلبات أسواق المال بسبب كورونا.. فيديو


دعونا نبدأ بكيف وصلنا إلى  حالة الانفصال الكبير بين الأساسيات الاقتصادية المطلوبة وحالة الشهية المرتفعة من قبل المؤسسات للمخاطرة، من جانب كل من مقدمي ومستخدمي تمويل الديون.


في خضم الأزمة المالية العالمية في عام 2008، كان ائتمان القطاع الخاص يعمل بكامل قوته، إلى جانب ازدهار إصدار السندات، والتي أوجدت طرقًا جديدة لزيادة الرافعة المالية بميزانيات الشركات والأفراد مع تقليل الحواجز أمام دخول الدائنين، لكن الأمور اتخذت منحنى خاطئا نتج عنه زيادة ضخمة بمستويات المخاطرة.


وعندما أصبح الوضع في القطاع الخاص غير منظم من أجل العمل على تخفيض المديونية، كان على القطاع العام أن يتدخل ويفعل كل ما بوسعه لتجنب دخول  أمريكا في حالة من الكساد.


ارتفعت الديون الحكومية والميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي - مصحوبة بتأكيدات من المسئولين بأن معدلات النمو سوف تنعكس بمجرد انتعاش النمو الاقتصادي.


لكن الخروج من هذا النظام أصبح صعبًا في سنوات ما بعد الأزمة، وجاءت محاولة سابقة لأوانها للحد من عجز الحكومة، وهو ما خفض من معدلات النمو، مما أضاف إلى انعدام الأمن الاقتصادي لدى الأفراد، خاصة مع تدفق المزايا الناتجة عن النمو الهزيل فقط الى الشرائح الميسورة من المجتمع.


وبدلًا من تقليل ميزانيته العمومية، لجأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى توسيعها، في انتظار أن يتسلمها أولئك الذين لديهم قدرة أكبر على تحقيق نمو اقتصادي حقيقي ودائم في سياسة اتسمت بالمراوغة.


وفي الوقت نفسه، اتجه القطاع الخاص الى الاقتراض، حيث لم تشجع أسعار الفائدة المتدنية التي أقرها مجلس الاحتياطي الفيدرالي على تمويل التوسع التشغيلي ولكن أيضًا - وبصورة أكبر - على شراء الأسهم، وتوزيع أرباح مرتفعة للأسهم، الى جانب السعي وراء عمليات الدمج والاستحواذ، ثم جاءت صدمة وباء كورونا للاقتصاد والأسواق.


في مواجهة تهديد جديد بالركود الاقتصادي، أصبح القطاع العام يميل إلى اتباع منهج التمويل "مهما كلف الأمر"، فحدث وأن انفجرت الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي، حيث تضاعفت تقريبًا إلى ما يقرب من 7 تريليون دولار في أقل من شهرين، كذلك ارتفع الاقتراض الحكومي الأمريكي، بنسبة 15% إضافية من الناتج المحلي الإجمالي.


وللتغلب على مخاطر حدوث خلل في السوق وتجميد عمليات الائتمان، أصبح بنك الاحتياطي الفيدرالي الآن لا يقوم فقط بضمان مخاطر السيولة ومخاطر الائتمان للشركات عالية الجودة، بل أيضًا يضمن مخاطر التخلف عن السداد في سوق السندات غير المرغوب فيها.


تضمنت الإجراءات المالية لمواجهة آثار وباء كورونا إرسال شيكات معونة نقدية إلى الأسر الأمريكية كجزء من جهود الإغاثة واسعة النطاق.


استفادت الأسواق المالية من التأثير الفوري لهذه الجهود، وسجلت عمليات إصدار سندات الشركات أرقامًا قياسيةً جديدة، وكذلك تدفقات أموال المستثمرين إلى أسواق الائتمان، على الرغم من انخفاض العائدات بشكل كبير.


وتضمن التأثير غير المباشر، إصدار السندات من الأسواق الناشئة بأكثر من 300 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من العام، متجاوزة المستويات المسجلة بنفس الفترات في عامي 2018 و2019.


وسيثبت الارتفاع الكبير في الرافعة المالية جدواه وستعتبر مستويات الدين رغم ارتفعها إمكانية نجاح، فقط في حالة انتعاش النمو الاقتصادي بسرعة.


وطبقا لهذا السيناريو، يمكن اعتبار استخدام الشركات والدول للديون في تعزيز الاحتياطيات النقدية وتعويض النقص الكبير في الإيرادات، طريقة حكيمة لتجنب مشكلات السيولة المؤقتة التي قد تتحول إلى مخاطر ملاءة مالية.


ولكن إذا جاءت معدات النمو مخيبة للآمال، فسوف يتعين على الاقتصاد والأسواق التعامل مع عبء الديون الكبير والذي سينتج عنه مشاكل أكبر للبنك المركزي في الأسواق، الى جانب آفاق نمو أقل.


اقرأ المزيد:

الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان يوجه تحذيرا للمستثمرين من تأثيرات الكورونا


وبالنظر إلى أن هذا الانتعاش الاقتصادي يعتبر ناشئًا ويخضع لحالة من عدم اليقين، فإن الحل ليس سرعة التخلص من الديون من قوائم الميزانية العمومية، ولكن عوضًا عن ذلك، تظهر الحاجة إلى التطور.


ويجب أن تضمن الحكومات وجود أساس أقوى للنمو المرتفع والمستدام الذي يفيد كل الطبقات وليس فقط الأغنياء في المجتمع، كما يجب أن يكون المستثمرون أكثر انضباطًا من حيث تقليل التعرض لمخاطر الإفلاس وخسائر رأس المال.


وأخيرًا، تحتاج الشركات إلى مقاومة إغراء استخدام الديون في زيادة التدابير المالية وارتفاع الأجور للوظائف التنفيذية.