الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لماذا سقطت الأنظمة الدينية في العالم.. أفغانستان نموذجًا (1)


لا يمكن أن يشكل هذا المقال، رؤية متكاملة عما حدث لأفغانستان طيلة ال 41 عامًا الماضية ومنذ دخلها السوفيت عام 1979، للدفاع عن حكومة ماركسية شيوعية موالية، وإلى أن خرجوا منها بعد حرب مريرة ومستنقع دامٍ في 15 فبراير سنة 1989 وبعدها وحتى اللحظة الراهنة، وبعدما تاهت البلد بين رجال الطوائف والقبائل المتطرفين أو الإرهابيين – قل ما شئت- ولسنوات طويلة. ولا يمكن كذلك، أن يزعم غيري، أنه يمكنه الكتابة عن أفغانستان في كتاب واحد أو دراسة شاملة.

فما حدث في أفغانستان، يفوق الحصر والوصف، وأشبه ما يكون بعملية خروج تام من العصر، والبقاء داخل عصور سحيقة ومنقرضة لا هذا زمانها ولا هؤلاء رجالها، ويحتاج إلى موسوعات وكتب.

المهم هو أن القصة الأفغانية لم تمت، وأعتقد أنه لن يكتب لها النهاية سريعا قبل أن تعود أفغانستان دولة عصرية.
صحيح أن أفغانستان، لم تعد محور الأحداث العالمية مثلما كان  من قبل ولعقود ممتدة. لكن ما خرج منها من أفكار وما حدث لأهلها الذين يبلغ عددهم، وأنا هنا سأستند إلى معلومات وأرقام موسوعة الـ"ويكبيديا" الدولية 34 مليون نسمة وفقا لإحصاءات 2017. قصة مأساوية تستحق أن يتوقف العالم العربي والإسلامي كله أمامها بالفحص والدرس.

والسبب، أن قادة أفغانستان أو ملوك الطوائف بها، والذين ظهروا على مسرح أحداثها طوال العقود الماضية، أدخلوها وأدخلوا أهلها في "دوامات هائلة من التطرف والإرهاب" ورفع شعارات لا علاقة لها بالواقع ولا بقدرة وإمكانيات أفغانستان على تحقيقها.

ومما يعرف، هو أن أفغانستان تعتبر من الدول المعدمة، وليس هذا لانها تفتقر الثروات وهذا سيأتي لاحقا، فعندها ثروات كامنة تفردها الموسوعات العالمية وتتحدث عنها، ولكن لآن بعضا من أهلها من الخونة والمرتزقة الأفغان أدخلوها في حرب أهلية مريرة، بعد خروج السوفيت من بلادهم سنة 1989، تحت دعاوى أنهم كلهم يريدون تطبيق نموذجا إسلاميا أو نظاما إسلاميًا داخل أفغانستان.

ثم تبين فيما بعد، أن برهان الدين رباني، وحكميتار وأحمد شاه مسعود والملا عمر وغيرهم، وأبرز ملوك الطوائف الذين تحاربوا على جثة أفغانستان، لم يكونوا أكثر من عملاء، منهم من كان يحارب تحت راية "السوفيت" او الشيوعيون الكفار – كما يذكرونهم في أدبياتهم، أو تحت راية المخابرات المركزية الأمريكية الـcia في الحرب، التي خاضتها بقوة وبأسلوب قذر ضد السوفيت في الحرب الممتدة بين القوتين الأعظم في العالم، قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وكانوا ولا يزالون يسمون الأمريكان بالصليبيين.

فقد تمزقت أفغانستان، طيلة العقود الماضية وأصبحت تأتي في ذيل كافة المؤشرات الاقتصادية الدولية، كواحدة من أكثر الدول فسادًا  وفقرا، وواحدة من أكثرها تخلفًا وانحطاطا وتدهور اقتصاديا ليس لأن أمريكا والسوفيت فقط تحاربوا على أرضها، وقد كانت هذه ولا تزال جريمة كبرى فادحة، وكانت أفغانستان مطمع لقوى كبرى، ولكن لأن أهلها وقادتها من أصحاب الميليشيات المسلحة فشلوا فيما بينهم، على نظام سياسي عصري ينقذ بلدهم من الحرب والدمار ويختارونه للحكم.

فقد تقاتلوا كأئمة إسلاميون، وفي النهاية تبين أنهم لم يكونوا سوى قادة للإرهاب وعملاء، لعب بهم السوفيت ولعب بهم الأمريكان والذين أقنعوهم لسنوات، أنهم بأنهم سيقفون معهم لمحاربة "الكفر الشيوعي" ووردت أسلحة لأفغانستان استطاعت أن تستنزف السوفيت وتقض مضاجعهم، وتحول البلد لمستنقع هائل يضرب به المثل حتى الآن، ولكن واشنطن كسبت جولة على حساب الأفغان ضد السوفيت، أما هم فقد أضاعوا كابول، وخرجوا من حرب قتال السوفيت والتحرير من الروس لمحاربة بعضهم البعض!! 

ثم بعد خروج السوفيت، ركب بلدهم الإرهابي الأكبر أسامة بن لادن الذي استوطن أفغانستان منذ سنة 1996، وأعلن وقوفه بجوار حركة طالبان الإرهابية والتي قويت شأفتها أنذاك، بعدما استغلت مئات الملايين من الدولارات من أموال الإرهابي الأكبر بن لادن في حربها ضد باقي القادة السوفيت، وهناك أعلن بن لادن فيما بعد عن تنظيم القاعدة الإرهابي لمحاربة الأمريكان واليهود مما أسماهم في أدبياته بالصليبيين، الذين يغزون ديار الإسلام واستطاع "بن لادن" وانطلاقا من كابول، أن يخطط وينفذ جرائم إرهابية مروعة،  منها ضرب برجي التجارة العالمية سنة 2001 لتكتسح أمريكا البلد بعد ذلك، وتبدأ حربا عالمية ضد الإرهاب.

المثير وسط هذا كله أن الأفغان، وحتى اللحظة لم يستطيعوا أن يقفوا على "بر" أو يأخذوا لبلدهم من النظام الشيوعي وهو موجود في روسيا والصين وناجح اقتصاديا وسياسيا، ولا أن يأخذوا من النظام الديمقراطي الغربي على طريقة أمريكا. ووقفوا على أطراف التاريخ وعلى أطراف الحياة، وتكبد عشرات الملايين من الأفغان ولا يزالون ضريبة باهظة، تحت مسمى النظام الديني أو النظام الإسلامي الذي كانوا يطمعون أن تحققه حركة طالبان أو يكون الأمير الأكبر له هو أسامة بن لادن وخليفته أيمن الظواهري!!

إن أفغانستان نموذج لواحدة من أفشل الأنظمة السياسية والدينية في العالم. وقد أثبتت التجربة للأفغان قبل غيرهم وللعالم أجمع أنه ليس هناك مفر من الديمقراطية الغربية. وهى في النهاية التي أصبحت معتمدة الآن "غصبا عنهم" في بلادهم، رغم أنهم لا يزالون يتقاتلون ويضربون بعضهم البعض بقوة، ولم تنته طالبان ولم تنته عمليات تفجير المدن وحرق الأشخاص والمواطنين الأفغان.

اللافت أن بعض الموهومين، عفوا لايزالوا يعتقدون بؤسا وجهلا، أن صراع السوفيت والأمريكان فقط هو الذي أضاع أفغانستان، ولا يريدون أن يقتنعوا أن الأفغان أنفسهم قبل أي أحد آخر أضاعوا بلدهم تحت شعارات إرهابية متطرفة وأيديولوجيات غير واقعية.

وليس هذا فقط إنهم ينسون، أن أفغانستان كانت ولا تزال واحدة من أكبر الدول المصدرة للمخدرات في العالم وليس فقط بسبب "مافيا أفغانية" مهيمنة ولكنها تشكل وأنا أستند لأرقام "ويكبيديا وموسوعات دولية" موجودة ثلث الناتج المحلي في أفغانستان!

ووفق "ويكبيديا" فإن ثلث إجمالي الناتج المحلي لأفغانستان يأتي من زراعة الخشخاش والاتجار غير المشروع بالمخدرات، بمافي ذلك الأفيون، واثنين من مشتقاته وهما المورفين والهيروين، فضلًا عن إنتاج الحشيش. وقد ارتفع إنتاج الأفيون في أفغانستان إلى مستوى قياسي جديد في عام 2007 عن العام الذي سبقه حتى أنه قد تعدى الثلث، وذلك وفقًا لما ذكرته الأمم المتحدة، والتي قالت إن نحو 3,3 مليون أفغاني يشاركون في عملية إنتاج الأفيون حاليًا!

تخيلوا ملايين الأفغان يعملون في الأفيون والاتجار في الحشيش والمخدرات وفق الأمم المتحدة وهذا كان قبل 13 عاما كاملة! أي أن هذه الأرقام قد زادت أو تضاعفت حتما الآن، ثم يخرج مجموعة من عتاة الإرهابيين، يقولون لهم تعالوا نطبق نظاما دينيًا ويأخذوهم في متاهات الحروب الأهلية والمفخخات!!!

وتذكروا أن أسامة بن لادن، أو ما يسمونه في أدبياتهم بالشيخ، وقد نزعت عنه الجنسية السعودية في عام 1994، وتحت ضغوط دولية غادر السودان سنة 1996م متوجّهًا إلى أفغانستان نتيجة علاقته القوية بحركة طالبان الإرهابية، التي كانت تسيطر على أفغانستان أنذاك، وبعد انتقاله إلى أفغانستان وجه تركيز تنظيمه الإرهابي الدموي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأعلن الحرب عليها. من هناك وتوالت أعماله الدموية، لكن الذي دفع الثمن الأفدح تحت هذه الشعارات المضللة، هو الشعب الأفغاني نفسه، والذي صدق "بن لادن" وصدق دعاويه بل وكانوا مستعدين لاحتضان تجربته الشريرة. 

ولنذكر أن حركة طالبان الإرهابية والتي لا تزال تناوىء الحكومة الأفغانية الحالية، كانوا في البدء طلاب العلوم الدينية "البشتون"، القادمون من قندهار، وإحدى الجماعات التي قاتلت ضد السوفييت في أفغانستان، وقد تحصلت على دعم غربي أمريكي بمساعدة باكستان والتي سمحت بتدريبهم داخل أراضيها، ومع انفلات البلاد الأمني، وغياب القانون في ظل الحرب بين "الإخوة الأعداء" استولى رجال طالبان على ولاية قندهار وفرضوا فيها القوانين الإسلامية، ثم واصلوا زحفهم باتجاه كابول لتحريرها ثم دخلوا مع باقي القادة في حرب طويلة مستعرة، قضت على الأخضر واليابس في أفغانستان وحولت البلد الى معقل عالمي للتطرف الديني وكومة رماد!

واليوم وبعد قتال وتقتيل وحرب أهلية وشعارات جوفاء، تستضيف الدوحة، وعلاقتها بحركة طالبان الإرهابية ممتدة، وقد كانت قطر ودولا عربية أخرى ممن عبثت بالأمن القومي الأفغاني لسنوات طويلة، هاهي قطر تستضيف حوارًا بين حكومة الرئيس الافغاني أشرف غني وبين حركة طالبان بعد الإفراج عن نحو 5 آلاف أسير من أعضاءها الموجودين في السجون.

ثم في ناحية أخرى، ها هو الشعب الأفغاني الذي ضحكوا عليه طوال عقود مضت من التدخلات والعبث، يتظاهر اليوم وخلال الأسابيع الأخيرة ضد القهر الإيراني، وضد قيام نظام خامنئي بحرق المهاجرين الأفغان وإغراقهم على الحدود. وهم هؤلاء البؤساء الذين يفرون من الفقر المدقع إلى إيران بحثا عن فرصة عمل؟!

بقيت نقطة واحدة.. هل أفغانستان دولة فقيرة تمامًا ولا تجد شيئا وهذا كان مصيرها؟
الحق غير ذلك، صحيح أنها الآن دولة "معدمة"، لكن هذا كان بسبب الحرب الأهلية والتدخلات الأجنبية والشعارات الدينية واحتضان قادة الإرهاب والتطرف، لكن البلد كبير، فتبلغ مساحة أفغانستان نحو 652,230 كيلومترا مربعا ولها حدود مشتركة مع باكستان وإيران وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان والصين. 

كما أنه ووفق هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فإن أفغانستان تمتلك بالمتوسط 1.6 مليار برميل من النفط الخام، و440 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، إضافة إلى كميات وفيرة من الذهب والحديد والنحاس والفحم والليثيوم. ويمكن أن يمثل هذا نقطة تحول في جهود إعادة إعمار أفغانستان، وزيادة الفرص الاقتصادية المتاحة للسكان..كل هذا شرط اقتناع القوى الأفغانية المختلفة بضرورة التخلي عن الإرهاب والأجندات الدينية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط